التي تتغير معها حقيقة المأمور به وماهيّة ما تعلّق به الطلب ، بل الطبيعة الصلاتية مثلاً قد يطرؤها الوجوب وأُخرى يحكم عليها بالندب مع اتحاد الماهية في كلتيهما على حدّ سواء ، فبعدما بيّن الشارع الأقدس حقيقة الصلاة الواجبة بما لها من الأجزاء والشرائط ، ثم قال : صلّ ركعتين تطوعاً أو تنفّل ثمان ركعات جوف الليل. لا ينسبق من ذلك إلى الذهن إلا إرادة نفس تلك الصلاة المعهودة التي بيّنها لدى تشريع الفريضة.
ومن هنا لا يكاد يشك أحد في شرطية الطهارة في النافلة ولزوم السجدتين ، وكذا الركوع قبلهما لا في الأثناء ولا بعدهما ، وكذا مانعية النجاسة ولبس ما لا يؤكل وغير ذلك من سائر الأجزاء والشرائط والموانع ، مع أنّه لم يرد تنصيص على شيء من ذلك في باب النوافل بالخصوص. وليس ذلك إلا من جهة الاعتماد في هذه الأمور على ما هو المقرّر في الشريعة المقدسة لبيان ماهية الصلاة التي لا يفرق الحال فيها بحسب الفهم العرفي بين اتصافها بالوجوب أو الاستحباب ما لم يصرّح الشارع بالفرق بينهما في بعض الأحيان بل لو لم يرد تجويز التنفل مستدبراً حال السير لم يكن مجال لتوهمه حال الاستقرار لما ذكر.
وكذا الحال في غير الصلاة من الصوم ونحوه من سائر العبادات ، فاذا ورد بعد بيان حقيقة الصوم الواجب وما يكون مفطراً له استحباب الصوم أول رجب مثلاً لم يفهم منه إلا إرادة ذلك الصوم بعينه ، فلا حاجة إلى بيان انّ الارتماس مثلاً مفطر لهذا الصوم بالخصوص ، بل يعتمد على البيان الأول.
وعلى الجملة : فالقاعدة الأولية المرتكزة في أذهان المتشرعة تقتضي مشاركة النفل مع الفرض في جميع الخصوصيات ما لم يرد تنصيص على الخلاف ، ومقتضاها اعتبار الاستقبال في النافلة حال الاستقرار كما في الفريضة.
الثالث : حديث لا تعاد (١) ، فانّ استثناء القبلة يكشف عن دخلها في حقيقة
__________________
(١) الوسائل ٤ : ٣١٢ / أبواب القبلة ب ٩ ح ١.