أحدها : أنّ عدم الحرمة الثابت قبل الشريعة يغاير في سنخه مع العدم الثابت بعدها ، فإنّ الأوّل عدم محمولي من باب السالبة بانتفاء الموضوع ، حيث لا شرع ليحكم بها أو بعدمها ، ويكون التقابل بينه وبين جعل الحرمة من تقابل السلب والإيجاب.
وأمّا الثاني فهو عدم نعتي ، أي متّصف بالانتساب إلى الشارع الأقدس ويكون التقابل بينه وبين جعلها من تقابل العدم والملكة (١).
وإن شئت فقل : العدم الثابت سابقاً هو عدم الحكم بالحرمة ، والذي نروم إثباته لاحقاً هو الحكم بعدم الحرمة. ومن البيّن أنّ إثبات الثاني بالاستصحاب الجاري في الأوّل من أوضح أنحاء الأصل المثبت ، فانّ هذا نظير إثبات العمى باستصحاب عدم البصر الثابت قبل الخلقة ، حيث إنّ الثابت سابقاً عدم محمولي ، أي عدم الاتصاف بالرؤية ، فلا يثبت به العدم النعتي ، أي الاتصاف بعدم الرؤية الذي هو معنى العمى إلا على القول بحجيّة الأُصول المثبتة.
وفيه : أن الشريعة عبارة عن مجموعة أحكام منسوبة لصاحبها ومجعولة لمشرّعها. فان قلنا بأنّ الشارع هو الله سبحانه فلا شبهة في انتساب العدم إليه فهو نعتي حتى قبل بعث الرسول وأمره بنشر الأحكام ، فكان اللحم المزبور جائز الأكل آن ذاك ومتصفاً بأنّه لا حرمة له فيستصحب إلى ما بعد البعث.
وإن قلنا بأنّه النبي صلىاللهعليهوآله فكذلك ، بداهة أنّ الأحكام لم تجعل دفعة واحدة ، بل كان التشريع على سبيل التدريج ، وكانت تبلّغ شيئاً فشيئاً حسب المصالح الوقتية. إذن فلم تكن حرمة اللحم مجعولة في بدء الشريعة فكان العدم وقتئذ نعتياً بالضرورة فيستصحب.
ثانيها : أنّا نقطع بجعل حكم لذلك الحيوان في الشريعة المقدسة أما الحرمة أو الإباحة. إذن فاستصحاب عدم الحرمة معارض باستصحاب عدم الإباحة (٢).
__________________
(١) ذكره في موارد منها ما في أجود التقريرات ٢ : ١٩٠.
(٢) لم نعثر عليه.