وفيه أولاً : ما عرفت آنفاً من أنّ الأحكام تدريجية الحصول ، فكانت الإباحة ثابتة في بادئ الأمر وقبل بيان التحريم كما يفصح عنه قوله تعالى ( قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً .. ) إلخ (١) فكان كل شيء محكوماً بالترخيص حتى يرد فيه النهي. إذن فالإباحة النعتية سابقة على التحريم فتستصحب من غير معارض له في ظرفه.
وثانياً : أنّه لا تعارض بين الأصلين المزبورين ، لعدم كون الإباحة موضوعاً لجواز الصلاة ، وإنّما الحرمة أُخذت موضوعاً لعدم الجواز وبتبعه يسند الجواز إلى الإباحة تجوزاً في الإسناد وتوسعاً في الإطلاق ، من غير أن يكون أصيلاً في الجعل كما يتضح ذلك بملاحظة الأدلّة ، وعليه يحمل قوله عليهالسلام في ذيل موثقة ابن بكير : « .. لا تقبل تلك الصلاة حتى يصلّي في غيره مما أحلّ الله أكله » حيث إنّه عليهالسلام بعد أن حكم قبل ذلك بفساد الصلاة فيما حرم أكله فتفريعاً على ما سبق تقتضي طبيعة الحال إيقاع الصلاة في المحلّل حذراً عمّا يوجب الفساد وتجنباً عنه ، من غير أن تكون موضوعية للمحلل بما هو كذلك ، فلا شأن له عدا كونه وسيلة للاجتناب المزبور.
وعليه فاستصحاب عدم الإباحة لا أثر له ، وإنّما الأثر الوحيد مترتب على استصحاب عدم الحرمة فيجري من دون معارض.
ثالثها : أنّ للحكم مرحلتين : مرحلة الجعل ومرحلة المجعول ، فإذا شك في الأوّل وكان موضوعاً للأثر جرى فيه الاستصحاب وجوداً أو عدماً ، كما أنّ الثاني لو كان له أثر وكانت له حالة سابقة كان مجرى للاستصحاب أيضاً. وأمّا الأثر المترتب على مرحلة المجعول ومقام الفعلية كاتصاف الحيوان الخارجي في المقام بعدم الحرمة على تقدير الذبح الشرعي فلا يجري فيه الاستصحاب لا بلحاظ هذه المرحلة لعدم الحالة السابقة ، ولا بلحاظ مرحلة الجعل لأنّ
__________________
(١) الأنعام ٦ : ١٤٥.