وممّا ذكرنا يظهر الفرق بينها وبين المرسلة المتقدّمة ، حيث سلّمنا دلالتها على المانعية ، وذلك لمكان الاختلاف في التعبير ، حيث عبّر فيها بقوله : « وهي محرمة » وفي المرسلة بقوله : « إلا في الإحرام » فإنّ المنع عن اللبس في الإحرام كالمنع عنه في الصلاة ظاهر في المانعية ، وأنّه يشترط في ثوبي الإحرام كلباس المصلّي أن لا يكون من الحرير ، فمعه لا يتحقق الإحرام كما لا تتحقّق الصلاة. وهذا بخلاف النهي عن اللبس في حالة الإحرام وبعد الاتّصاف بها ، فإنّه غير ظاهر إلاّ في الحرمة التكليفية المحضة كما لا يخفى.
فتحصّل : أنّه لا يمكن الاستناد في رفع اليد عن الإطلاق إلى شيء من المرسلة والموثّقة.
والصحيح الاستناد في ذلك بعد تسليم الإطلاق ، وإلا فهو ممنوع من أصله كما عرفت إلى السيرة الثابتة من المتشرّعة القائمة على عدم تحرّز النساء عن الحرير حتى في الصلاة ، بل عليه تسالم الأصحاب خلفاً عن سلف ، ولم يعهد الخلاف بينهم فيما قبل زمان الصدوق ، وهو أوّل من ذهب إلى المنع ، وتبعه فيه نفر يسير من المتأخّرين. فلو كانت المانعية ثابتة لظهرت وبانت ، ولم يقع الخلاف فيها في مثل هذه المسألة المهمّة الكثيرة الدوران ، التي تبتلي بها المرأة في صلاتها في كلّ يوم خمس مرات على الأقل ، بل لم يتعرض لها في شيء من الأخبار ، ولم يسأل عن حكمها الرواة ، وإنّما خصّوا أسئلتهم بالرجال ، الكاشف عن وضوح حكم النساء لديهم وليس الواضح هو المنع قطعاً ، وإلا كنّ من الرجال أضيق حالاً ، مع ثبوت الجواز لهنّ في غير حال الصلاة دونهم بالضرورة. فلا بدّ وأن يكون هو الجواز.
على أنّ التنبيه على مثل هذا الحكم في الأخبار أولى من التعرّض لحكم ما لا يؤكل ، الذي ورد في غير واحد من الأخبار المنع عن الصلاة فيه ، فانّ الابتلاء بلبسه سيما الصلاة فيه قليل جدّاً بالإضافة إلى الحرير المتعارف لبسه غالباً كما لا يخفى.