وأمّا الثالث : فهو من غرائب الكلام ، ضرورة أنّ غاية ما ثبت هو أنّ أحمد ابن محمد بن عيسى لا يروي بنفسه إلاّ عن الثقة وإن كنّا عثرنا على روايته عن الضعيف أيضاً أحياناً ومن هنا أخرج أحمد بن محمد بن خالد البرقي عن قم ، لروايته عن الضعفاء كثيراً وإن ندم على ما صنع فأرجعه بل ومشى في جنازته حافياً. وكيف كان ، فغاية ما هناك أنّه بنفسه لا يروي بلا واسطة إلا عن الثقة كما في المقام لا أنّه يقتصر على الرواية المعتبرة الخالية عن كلّ خلل حتى الإرسال أو الضعف في غير من يروي عنه ممّن يقع في سلسلة السند ، فانّ هذا لا شاهد عليه ، بل ولا قائل به كما لا يخفى.
وقد يستند في ذلك أيضاً إلى موثّق سماعة عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : « لا ينبغي للمرأة أن تلبس الحرير المحض وهي محرمة ، فأمّا في الحر والبرد فلا بأس » (١).
وهذه الموثقة يستدلّ بها تارة لعدم المانعية ، من جهة تخصيص المنع بحال الإحرام بالتقريب المتقدّم في المرسلة. وأُخرى للمانعية ، من جهة تخصيص نفي البأس بحال الحر والبرد ، الدالّ بالمفهوم على ثبوته في غير الحالتين وإن كانت في الصلاة ، ولعلّ الأول أقرب.
لكن الأولى أن يقال : إنّ الموثقة أجنبية عن المانعية والحرمة الوضعية التي هي محلّ البحث ، بل هي ناظرة إلى الحرمة التكليفية ، لظهور قوله عليهالسلام : « وهي محرمة » في المنع عن اللبس وهي متّصفة بكونها في حالة الإحرام. ومن الواضح أنّ ارتكاب تروك الإحرام لا يقتضي البطلان فيما عدا الجماع ، بل غايته العصيان ، فلا يفسد الإحرام المفروض تحقّقه بذلك وإن أثم ، مع أنّه لا إثم أيضاً لدى الضرورة من حر أو برد كما أُشير إليه في ذيل الموثّق ، فلا وجه للاستشهاد بهذه الموثقة لشيء من المانعية وعدمها.
__________________
(١) الوسائل ٤ : ٣٨٠ / أبواب لباس المصلي ب ١٦ ح ٤.