بينهما عموم من وجه ، والأخبار إنّما تشير إلى المعنى الثاني دون الأوّل والموضوع فيها مطلق ما يوجب الاشتهار من اللباس أو الدابة وغيرهما كما يقتضيه الإطلاق في بعض تلك الأخبار ، ولا يختص بالثياب ، ولذا عنون الباب في الكافي بباب كراهة الاشتهار بين الناس.
ويؤيّد ما ذكرناه في تفسير هذه الأخبار صحيح حماد بن عثمان قال : « كنت حاضراً لأبي (١) عبد الله عليهالسلام إذ قال له رجل : أصلحك الله ذكرت أنّ علي بن أبي طالب عليهالسلام كان يلبس الخشن ، يلبس القميص بأربعة دراهم وما أشبه ذلك ، ونرى عليك اللباس الجيّد ، قال فقال له : إنّ علي بن أبي طالب عليهالسلام كان يلبس ذلك في زمان لا ينكر ، ولو لبس مثل ذلك اليوم لشهر به ، فخير لباس كلّ زمان لباس أهله .. » (٢).
حيث يظهر منه أنّ المذموم ليس مجرّد الخروج عن الزي ، بأن يلبس العالم لباس الجندي أو بالعكس ولو في داره مدّة قليلة دون أن يطّلع عليه أحد ، بحيث يكون حكمه حكم لبس الرجل الذهب أو الحرير ، بل العبرة أن يشهر به بين الناس ويكون من أوصافه ونعوته التي يعرف بها كالأمثلة المتقدّمة ، فيقال مثلاً : الرجل الذي عمامته حمراء وهكذا.
ثم إنّ لباس الشهرة بالمعنى الأوّل الذي فسّره في المتن لا دليل على حرمته بل ولا قائل به فيما نعلم ، وأمّا المعنى الثاني الذي تضمّنته هذه الأخبار فلا يمكن الالتزام بحرمته أيضاً ، فإنّ الصحيحة الأخيرة المتقدّمة آنفاً لا يظهر منها أكثر من الكراهة كما لا يخفى ، وما عداها من الروايات السابقة كلّها ضعيفة السند ما عدا الاولى منها كما عرفت. والرواية الاولى وإن كانت صحيحة وبحسب الدلالة ظاهرة ، لظهور كلمة يبغض في الحرمة ، إلا أنّه لأجل عدم ذهاب الأصحاب إلى التحريم ، بل لم يعهد القول به صريحاً من أحد ، لا يمكن الالتزام
__________________
(١) [ في الكافي ٦ : ٤٤٤ / ١٥ عند أبي عبد الله بدل لأبي عبد الله ].
(٢) الوسائل ٥ : ١٧ / أبواب أحكام الملابس ب ٧ ح ٧.