منها ما تقدم في بحث النجاسات (١) عند الجمع بين قوله عليهالسلام كل طائر يطير بجناحيه فلا بأس ببوله وخرئه (٢) وبين قوله عليهالسلام : « اغسل ثوبك من أبوال ما لا يؤكل لحمه » (٣) حيث ذكرنا أن النسبة بين الدليلين عموم من وجه ، فيتعارضان في مادة الاجتماع وهو الطائر الذي لا يؤكل لحمه كالباز والصقر ، فلا يجب الاجتناب عن بوله بمقتضى الدليل الأول ، ويجب بمقتضى الثاني ، لكن اللازم الأخذ بإطلاق الأول وتقييد الثاني بما لا يؤكل لحمه من غير الطيور ، إذ لا يترتب عليه أي محذور بخلاف العكس ، أعني التحفظ على إطلاق الثاني وتقييد الأول بالطائر المأكول اللحم ، إذ لازمه إلغاء خصوصية الطيران ، لبداهة عدم الفرق في طهارة بول مأكول اللحم بين الطائر وغيره.
وبالجملة : فهذه الكبرى مسلّمة لا غبار عليها ، لكنها غير منطبقة على المقام ، إلا بناءً على القول بعدم وجوب الإعادة إذا كان الانكشاف خارج الوقت وكان الانحراف كثيرا بالغاً حدّ المشرق والمغرب فما زاد.
وتوضيحه : أنّ النسبة بين صحيحتي معاوية وعبد الرحمن عموم من وجه ، ومادة الافتراق من الاولى الانحراف اليسير المنكشف خارج الوقت ، ومن الثانية الانحراف الكثير المنكشف في الوقت ، ولا معارضة بينهما في هذين الموردين ، لتطابقهما على عدم وجوب الإعادة في الأول ، ووجوبها في الثاني كما هو ظاهر. وإنّما المعارضة في مادة الاجتماع ، ولها موردان :
أحدهما : الانحراف اليسير المنكشف في الوقت ، حيث لا يجب فيه الإعادة بمقتضى إطلاق صحيح معاوية ، ويجب بمقتضى إطلاق صحيح عبد الرحمن.
ثانيهما : الانحراف الكثير البالغ حدّ المشرق والمغرب فما زاد المنكشف خارج الوقت ، فإنّه تجب فيه الإعادة بمقتضى ما يفهم من إطلاق صحيح معاوية ، حيث أُنيط الحكم فيه بالصحة بما إذا كان الانحراف ما بين المشرق
__________________
(١) شرح العروة ٢ : ٣٧٥.
(٢) الوسائل ٣ : ٤١٢ / أبواب النجاسات ب ١٠ ح ١ ، ( نقل بالمضمون ).
(٣) الوسائل ٣ : ٤٠٥ / أبواب النجاسات ب ٨ ح ٢.