ولمّا كان القرب إلى الواقع الّذي عرفت كونه مناطا في حكم العقل على هذا التّقرير مقولا بالتّشكيك ومختلفا غاية الاختلاف وله مراتب كثيرة ودرجات عديدة ؛ حتّى أنّ بعض مراتبه يشتبه بالشّك من جهة خفائه ، وبعض مراتبه يشتبه بالعلم من جهة وضوحه وظهوره ، وهو الظّنّ القويّ الاطمئناني المتاخم بالعلم ـ حتّى قيل : إنّه علم ، مسامحة. كما عرفته من كلام شيخنا قدسسره في « الكتاب » ، بل حقيقة ، كما عرفته من كلام شيخنا ( طيّب الله رمسه ) في « الجواهر » (١) ـ فلا محالة يحكم العقل بحجيّة القويّ منه على تقدير كفايته ، وعدم جواز الأخذ بغيره من المراتب. كما أنّه يحكم بحجيّة مطلق الظن على تقدير عدم كفايته وعدم جواز الأخذ بالظّنون النّوعيّة ، إلاّ على تقدير انسداد بابه وعدم وجود مقدار كاف منه في الفقه.
ولمّا لم يكن له مراتب مضبوطة بعد انتفاء القويّ حكمنا بحجيّة مطلق الظّن على هذا التّقدير ، وهذا معنى عموم النّتيجة وكلّيتها بالنّسبة إلى الأسباب على تقرير الحكومة ، واختصاصها بالظّن القوي الاطمئناني على هذا التّقرير ، وعدم شمولها لدونه من الظّن الضّعيف ، فلا إهمال في النّتيجة على هذا التّقرير بالنّسبة إلى جميع الخصوصيّات. غاية الأمر : أنّها عامّة كليّة بالنّسبة إلى الموارد والأسباب ، وخاصّة جزئيّة مقيّدة بالنّسبة إلى المراتب.
ومن هنا ذكر في « المعالم » في « مقام تخصيص النّتيجة بخبر العادل » : « أنّه إذا كان للظّن جهات متفاوتة في القوّة والضّعف ، فالعقل يحكم : بأنّ العدول من
__________________
(١) في مواضع من الجواهر منها : ج ٢٢ / ١٥٤ وج ٢١ / ٣٦٢.