في « الكتاب » كالآية السابقة ، وهو ينافي ما عرفته في تفسير الآية وسبب نزولها ، مع أن النفي في قوله تعالى : ( وَما كانَ اللهُ ) ظاهر في بيان مقتضى الحكمة ، وأنه تعالى لمكان حكمته لا يضلّ قوما قبل هدايتهم وبيان الأحكام لهم كما عرفت في تقريب دلالة الآية السابقة ، سواء أريد من الإضلال العذاب ، أو الخذلان ؛ فإنه لا يكون إلاّ عن سبب يرجع إلى العباد وهو المعصية ؛ فإنّه نوع من العذاب والعقاب حقيقة وإن كان في الدنيا.
مضافا إلى أن الخذلان بدون البيان والإعلام إذا كان منفيّا من حيث كونه على خلاف الحكمة الإلهيّة كان العذاب الأخروي أيضا منفيّا بالفحوى ومفهوم الموافقة كما استدركه بقوله : ( اللهمّ إلا بالفحوى ) (١) (٢).
__________________
(١) فرائد الأصول : ج ٢ / ٢٥.
(٢) قال الفقيه المحقّق السيّد اليزدي قدسسره :
« يمكن تقريب الاستدلال بالآية على وجه لا يحتاج إلى ضميمة الفحوى وهو أن يقال : إنّ المراد بقوله : ( لِيُضِلَ ) بعد عدم إمكان حمله على معناه الحقيقي لا متناعه على الله هو فعل ما يترتّب على الضلال أي العقاب ، يعنى : ما كان الله ليعاقب قوما حتى يبيّن لهم ما يتّقون ، لكن هذا المعنى مجرّد احتمال في الآية لا شاهد عليه ، وما حمل عليه المصنّف : من كون المراد بالإضلال : الخذلان أظهر ، لكنّه يحتاج إلى ضمّ الأولويّة بأن يقال : إذا لم يكن الله ليخذل إلاّ بعد البيان ، فعدم عقابة بدون البيان أولى ؛ لأن العقاب أشدّ من الخذلان بكثير بناء على أن المراد بالخذلان : عدم الإعتناء بالشخص وجعله في معرض النّسيان.