وأمّا الجواب عنه ـ على التقريب الثاني في وجه دلالته ـ : فهو أن المستفاد منه بالالتزام هو الطلب الإرشادي المشترك بين الوجوب والندب حسب الهلكة المحتملة في الفعل ، فإن الهلكة المحتملة بقول مطلق ليست ملزومة لطلب إلزامي إرشاديّ فضلا عن الشرعي.
توضيح ذلك : أنه رتّب في النبويّ على ارتكاب الشبهات الوقوع في المحرّمات المستلزم للهلاك من حيث لا يعلم ، فإمّا أن يراد من الشبهات : الاستغراق الحقيقي على ما هو قضيّة الجمع المحلّى بظاهره ، أو الاستغراق بالنسبة إلى ما يكون واقعة للمكلّف ، أو الجمع العرفي ، أو جنس الجمع ، أو جنس الفرد.
وكذلك قوله : « المحرّمات » ؛ إمّا أن يراد منه : جميع المحرّمات الواقعيّة من المعلومة والمجهولة ، أو خصوص المجهولة المحقّقة في ضمن المشتبهات ، أو جنس الجمع ، أو غير ذلك ممّا عرفت.
__________________
ومنها : ورود أخبار كثيرة مساوقة لهذه الأخبار الظاهرة في الإستحباب.
وفيه : أنّ التثليث باعتبار تبيّن الرّشد من الغيّ وعدمه لا يحتمل فيه غير الإلزام وكذا احتمال التهلكة لا ريب انه منشأ لوجوب الإحتياط وهذا هو السرّ في الإكتفاء بالصّغرى فإنّه لا يجوز إلاّ مع كون الكبرى بيّنة أو مبيّنة ، واخراج العنوان أي الشبهة في الموضوع ليس تخصيصا للأكثر ؛ فإنّه إخراج واحد مع أنّه تخصّص ؛ ضرورة عدم صدق التباس الغيّ والرّشد إلاّ في الشبهات الحكميّة والأخبار مختلفة ولا مناسبة بين ما أمر فيه بالإحتياط من جهة الهلاك والغيّ والضّلال وبين التنزيه عن الشبهات الموضوعيّة » إنتهى.
محجة العلماء : ج ٢ / ١٤ ـ ١٥.