وإن أطلق التّرجيح وأريد به المعنى الأعمّ من تعيين أحد الاحتمالين بالظّن ، أو تقديم أحد الدّليلين المتعارضين على الآخر لمزيّة له عليه وإن لم يكن خصوص الظّن بالنّظر إلى المعنى اللّغوي ، أو العرفي ، أو المسامحيّ ، فلا يمنع منه ، لكنّه لا يوجب شيئا أصلا هذا.
مع أنّ التّرجيح بمعناه المعروف من دون قيام دليل عليه محرّم بالأدلّة الأربعة ؛ لأنّه موجب لاستناد الحكم التّعييني إلى الشارع من دون دليل هذا.
وإن شئت قلت : إنّ رجحان الظّن على الشّك والوهم وإن كان وجدانيّا ، إلاّ أنّ رجحان المظنون على المشكوك في نظر الشارع مطلقا حتّى يوجب عليه جعله دون مشكوك الاعتبار فليس معلوما ، وإلاّ لم يكن اعتباره مشكوكا.
والمدار إنّما هو في الرّجحان بالمعنى المذكور عند الشارع لا في وجداننا ؛ فإنّ المفروض تقرير المقدّمات على وجه الكشف لا الحكومة ، ولو حكم العقل ولو بالملاحظة الثّانويّة بكون الظّن بما هو ظنّ موجب للرجحان والتّقديم في نظر الشارع فلا محالة يحكم بإطلاق الحجيّة على تقرير الكشف أيضا. وهو ـ مع كونه خلاف الفرض ـ موجب لسقوط التّرجيح بالظّن رأسا ، كما أنّه على تقرير الحكومة المقتضي للحكم بحجيّة مطلق الظّن على ما عرفت ، لا مورد للتّرجيح ؛ إذ هو فرع الإهمال الغير المجامع مع الإطلاق ، فلا تغترّ إذن بما ذكروه : من أنّ المورد مورد التّرجيح ، والغرض إنّما هو متعلّق به والدليل عليه هو الدّليل العقلي المذكور.