فَمَنْ هَاهُنَا كَانَ ذَبَحَهُ (١)؟ ».
__________________
(١) قال الشيخ الصدوق في جملة من كتبه : « قد اختلفت الروايات في الذبيح ، فمنها ما ورد بأنّه إسماعيل ، ومنها ما ورد بأنّه إسحاق ، ولا سبيل إلى ردّ الأخبار متى صحّ طرقها ، وكان الذبيح إسماعيل ، لكنّ إسحاق لمّا ولد بعد ذلك تمنّى أن يكون هو الذي امر أبوه بذبحه ، وكان يصبر لأمر الله عزّوجلّ ويسلّم له كصبر أخيه وتسليمه ، فينال بذلك درجته في الثواب ، فعلم الله عزّوجلّ ذلك من قلبه ، فسمّاه بين ملائكته ذبيحاً ؛ لتمنّيه لذلك ». وقال في الفقيه : « وقد ذكرت إسناد ذلك في كتاب النبوّة متّصلاً بالصادق عليهالسلام ».
وقال العلاّمة الفيض : « لعلّ معنى قوله : فمن هاهنا كان ذبحه؟ أنّه لمّا لم يكن هناك سوى إبراهيم وأهله وولده إسماعيل الذي كان يساعده في بناء البيت دون إسحاق ، فمن كان هاهنا ذبحه إبراهيم؟ يعني لم يكن هناك إسحاق ليذبحه. قوله : فمن زعم ، إلى آخره ، لعلّه من كلام بعض الرواة » ، ثمّ نقل ما نقلناه عن الشيخ الصدوق وقال : « أقول : لا يخفى أنّ حديث أبي بصير الذي مضى في قصّة الذبيح من الكافي ـ وهو الحديث العاشر الآتي هنا ـ لا يحتمل هذا التأويل ، وحمله على التقيّة أيضاً بعيد ، وكأنّهم عليهمالسلام كانوا يرون مصلحة في إبهام الذبيح ، كما يظهر من بعض أدعيتهم ، ولذا جاء فيه الاختلاف عنهم ، وكانا جميعاً ذبيحين ، أحدهما بمنى ، والآخر بالمُنى ».
وقال العلاّمة الشعراني ذيل قوله : « وكانا جميعاً ذبيحين » : « هذا هو الوجه الذي اختاره الصدوق بعينه ، وما ذكره المصنّف من استبعاد التقيّة صحيح ؛ فإنّه لا وجه للتقيّة مع عدم الخوف من إظهار الفتوى في هذه الامور التي لا تتعلّق بسياسة الخلفاء وعمل الناس في مذهبهم ، مع كونهم مختلفين ، ولابدّ من الاعتقاد بأنّ في هذه الروايات المنقولة ما ليس صادراً عنهم ، كما قاله المفيد رحمهالله. والجمع الذي اختاره الصدوق أحسن وإن لم يوافقه لفظ بعض الأحاديث ؛ إذ لا نريد أن يكون جميع الألفاظ منطبقة عليه ، فلعلّه من تصرّفات الرواة ».
وأمّا العلاّمة المجلسي فإنّه قال : « قوله : فمن هاهنا كان ذبحه؟ غرضه رفع استبعاد لكون إسحاق ذبيحاً بأنّ إسحاق كان بالشام ، والذي كان بمكّة إسماعيل فكون إسحاق ذبيحاً مستبعد ، فأشار المؤلّف رحمهالله هاهنا إلى أنّ هذا الخبر يدلّ على أنّ إبراهيم عليهالسلام قد حجّ مع أهله وولده ، فيمكن أن يكون الأمر يذبح إسحاق في هذا الوقت.
واعلم أنّ المسلمين اختلفوا في أنّ الذبيح إسماعيل أو إسحاق ، مع اتّفاق أهل الكتاب على أنّه إسحاق ، وكذا اختلف أخبار الخاصّة والعامّة في ذلك ، لكنّ القول بكونه إسحاق أشهر بين المخالفين ، كما أنّ القول بكونه إسماعيل أشهر بين الإماميّة ، فحمل الأخبار الدالّة على كونه إسحاق عليهالسلام على التقيّة أظهر. ويظهر من الكليني رحمهالله أنّه في ذلك من المتوقّفين ، ولا يبعد حمل الأخبار الدالّة على كونه إسحاق عليهالسلام على التقيّة ». ثمّ نقل ما نقلناه عن الشيخ الصدوق وقال : « أقول : لا ينفع هذا في أكثر الأخبار المصرّحة بكون الذبيح حقيقة هو إسحاق ، ويمكن القول بصدورهما معاً إن لم يتحقّق إجماع على كون الذبيح أحدهما فقط ». وراجع : الخصال ، ص ٥٨ ـ ٥٧ ، باب الاثنين ، ذيل ح ٧٨ ؛ عيون الأخبار ، ج ١ ، ص ٢١٢ ، ذيل ح ١ ؛ الفقيه ، ج ٢ ، ص ٢٣٠ ، ذيل ح ٢٢٧٨ ؛ الوافي ، ج ١٢ ، ص ١٤٩ ـ ١٥٠ ؛ مرآة العقول ، ج ١٧ ، ص ٣٨ ـ ٣٩.