شيء فيه حلال وحرام فهو لك حلال حتّى تعرف الحرام بعينه فتدعه » وقوله عليهالسلام : « الشكّ بعد الانصراف لا يلتفت إليه » وقولهم عليهمالسلام : « لا ينقض اليقين أبدا بالشكّ وإنّما ينقضه بقين آخر ».
وذلك : أنّ الأنظار العقليّة إذا كانت مادّة الفكر فيها وصورته مأخوذين عن أهل العصمة فلا ريب في جواز العمل بها لأنّه معصوم عن الخطأ ، ولا شكّ أنّ مفاد الأخبار المذكورة هو التفريع على الاصول المأخوذة عن الأئمّة عليهمالسلام خاصّة. وهو عين مذهب الأخباريّين وخلاف دعوى المجتهدين.
ووهنه واضح لمن له أدنى تأمّل ، فإنّ الاصول يراد بها هنا الأحكام الكلّية المأخوذة في القضايا المنصوصة لوازم لعناوين كلّية مأخوذة في تلك القضايا موضوعات لتلك الأحكام ، وهذه اللوازم قد تكون بأنفسها ملزومات لأحكام كلّية اخر هي بالقياس إلى هذه العناوين أيضا لوازم بالواسطة ، والتفريع مقول بالاشتراك على إجراء هذه الأحكام في الجزئيّات المندرجة تحت ملزوماتها وعلى ترتيب لوازمها الّتي هي من آثارها على تلك الملزومات.
ومن البيّن أنّ الجزئيّات قد تكون بين ظاهرة وخفيّة ، كما أنّ اللوازم قد تختلف في كونها بيّنة اللزوم وغير بيّنة اللزوم ، والجزئي قد يكون ثابت الجزئيّة ويشكّ مع ذلك في شمول القضيّة المنصوصة له وعدمه ، وقد يكون الشيء مشكوكا في جزئيّته لشبهة في الاندراج أو في الصدق ، واللازم قد يكون مع ثبوت لزومه للحكم مشكوك الثبوت لملزومه ، وقد يتوقّف في لزومه له على وسط عقلي أو نقلي.
ولا ريب أنّ التفريع لو اريد به ما هو على الوجه الكلّي لا يتأتّى إلاّ بعد إعمال ظنون اجتهاديّة كثيرة يحرز بها شمول القضيّة لما شكّ في شمولها له أو الفرديّة لما شكّ في فرديّته من جهة الاندراج أو الصدق ، أو ثبوت لازم الحكم لما هو ملزوم له أو لزوم ما شكّ في لزومه للحكم ليترتّب على ملزومه ، ولو اريد بالتفريع مجرّد إجراء الحكم في الأفراد الظاهرة وترتيب اللوازم البيّنة لا غير فهو من مقتضى ظاهر القضيّة ، إذ كلّ قضيّة منصوصة تنصرف بظاهر العرف إلى أفرادها الظاهرة ولوازمها البيّنة من غير حاجة له إلى إعمال نظر ولا اعتبار فكر ، فيبقى التفريع المأمور به في الروايات بلا مورد ، لظهورها في كون المراد بالتفريع المأمور به ما يتوقّف في حصوله على عمل من الراوي ويحتاج في تحقّقه إلى نظر وفكر منه.
والحاصل نصوص الباب ظاهرة في ترخيص رواتها في الاجتهاد بإعمال الظنون الاجتهاديّة وحملهم على إعمال النظر والفكر اللذين يقصر أصل القضيّة المتلّقاة عن الإمام عن إفادة مؤدّاهما.