وقسم ينتهي إلى مادّة هي بعيدة عن الإحساس ، ومن هذا القسم الحكمة الإلهيّة والطبيعيّة وعلم الكلام وعلم اصول الفقه والمسائل النظريّة الفقهيّة وبعض القواعد المذكورة في كتب المنطق ، كقولهم : « الماهيّة لا تتركّب من أمرين متساويين » وقولهم : « نقيضا المتساويين متساويان » ومن ثمّ وقع الاختلاف والمشاجرات بين الفلاسفة في الحكمة الإلهيّة والطبيعيّة وبين علماء الإسلام في اصول الفقه والمسائل الفقهيّة وعلم الكلام وغير ذلك من غير فيصل.
والسبب في ذلك ما ذكرناه من أنّ القواعد المنطقية إنّما هي عاصمة عن الخطأ من جهة الصورة لا من جهة المادّة ، إذ أقصى ما يستفاد من المنطق في باب موادّ الأقيسة تقسيم الموادّ على وجه كلّي إلى أقسام ، وليس في المنطق قاعدة بها يعلم أنّ كلّ مادّة مخصوصة داخلة في أيّ قسم من تلك الأقسام ، بل من المعلوم عند اولي الألباب امتناع وضع قاعدة تكفّل بذلك.
وممّا يوضح ما ذكرناه من جهة النقل الأحاديث المتواترة معنى الناطقة : « بأنّ الله تعالى أخذ ضغثا من الحقّ وضغثا من الباطل فمغثهما ثمّ أخرجهما إلى الناس ، ثمّ بعث أنبياءه يفرّقون بينهما ففرّقتهما الأنبياء والأوصياء ، فبعث الله الأنبياء ليفرّقوا (١) ذلك ، وجعل الأنبياء قبل الأوصياء ليعلم الناس من يفضّل الله ومن يختصّ ، ولو كان الحقّ على حدة والباطل على حدة كلّ واحد منهما قائم بشأنه ما احتاج الناس إلى نبيّ ولا وصيّ ، ولكن خلطهما وجعل تفريقهما إلى الأنبياء والأئمّة من عباده » (٢).
وممّا يوضحه من جهة العقل ما في الشرح العضدي للمختصر الحاجبي حيث قال في مقام ذكر الضروريّات القطعيّة :
منها : المشاهدات الباطنيّة وهي ما لا يحتاج إلى عقل كالجوع والألم.
ومنها : الأوّليات وهي ما يحصل بمجرّد العقل كعلمك بوجودك ، وإنّ النقيضين يصدق أحدهما.
ومنها : المحسوسات وهي ما يحصل بالحسّ.
ومنها : التجربيّات وهي ما يحصل بالعادة كإسهال المسهل والإسكار.
ومنها : المتواترات وهي ما يحصل بالأخبار تواترا كبغداد ومكّة.
وحيث قال في مقام ذكر الضروريّات الظنّية : أنّها أنواع : الحدسيّات كما نشاهد نور
__________________
(١) في المصدر : ليعرفوا ذلك.
(٢) رجال الكشّي : ٢٧٥ ، ح ٤٩٤.