القمر يزداد وينقص بقربه وبعده من الشمس فنظنّ أنّه مستفاد منها ، والمشهورات كحسن الصدق والعدل وقبح الكذب والظلم ، وكالتجربيّات الناقصة وكالمحسوسات الناقصة ، والوهميّات ما يتخيّل بمجرّد الفطرة بدون نظر العقل أنّه من الأوّليات مثل كلّ موجود متحيّز ، والمسلّمات ما يتسلّمه الناظر من غيره (١).
وحيث قال في مقام ذكر أصناف الخطأ في مادّة البرهان : الثالث جعل الاعتقاديّات والحدسيّات والتجربيّات الناقصة والظنّيات والوهميّات ممّا ليس بقطعيّ كالقطعي وإجراؤها مجراه وذلك كثير (٢).
وحيث قال في مبحث الإجماع : والجواب أنّ إجماع الفلاسفة على قدم العالم عن نظر عقلي وتعارض الشبه واشتباه الصحيح بالفاسد فيه كثير ، وأمّا في الشرعيّات فالفرق بين القاطع والظنّي بيّن لا يشتبه على أهل المعرفة والتمييز انتهى كلامه (٣).
فإن قلت : لا فرق في ذلك بين العقليّات والشرعيّات ، والشاهد على ذلك ما نشاهده من كثرة الاختلافات الواقعة بين أهل الشرع في الاصولين وفي الفروع الفقهيّة.
قلت : إنّما نشأ ذلك من ضمّ مقدّمة عقليّة باطلة إلى المقدّمة النقليّة الظنّية أو القطعيّة.
ومن الموضحات لما ذكرناه من أنّه ليس في المنطق قانون يعصم عن الخطأ في مادّة الفكر : أنّ المشّائين ادّعوا البداهة في أنّ تفريق ماء كوز إلى كوزين إعدام لشخصه وإحداث لشخصين آخرين. وعلى هذه المقدّمة بنوا إثبات الهيولي ، والإشراقيّين ادّعوا البداهة في أنّه ليس إعداما للشخص الأوّل وفي أنّ الشخص الأوّل باق وإنّما انعدمت صفة من صفاته وهو الاتّصال.
ومن الموضحات لما ذكرناه أنّه لو كان المنطق عاصما عن الخطأ من جهة المادّة لم يقع بين فحول العلماء العارفين بالمنطق اختلاف ، فلم يقع غلط في الحكمة الإلهيّة وفي الحكمة الطبيعيّة وفي علم الكلام وعلم اصول الفقه والفقه كما لم يقع في علم الحساب وفي علم الهندسة.
إذا عرفت ما مهّدناه من الدقيقة الشريفة ، فنقول : إن تمسّكنا بكلامهم فقد عصمنا عن الخطأ ، وإن تمسّكنا بغيره لم نعصم عنه ، ومن المعلوم أنّ العصمة عن الخطأ أمر مطلوب مرغوب فيه شرعا وعقلا.
__________________
(١) شرح القاضي : ١٩.
(٢ و ٣) شرح القاضي : ٣٤ و ١٢٦.