ومن الثاني الأخبار الدالّة على وقوع الخلاف في الأحاديث من المعاندين أو من المعصومين ، فمن جملة ذلك ما تقدّم في أخبار الدسّ ووضع الأحاديث الكاذبة ، ومن جملته ما تقدّم من رواية سليم بن قيس الهلالي المرويّة في الكافي من قوله : « وإنّما أتاكم الحديث من أربعة » ومثله ما نقل في كلامه عليهالسلام المنقول عن نهج البلاغة.
ومن جملته ما دلّ على أنّهم بأنفسهم أوقعوا الخلاف بين أصحابه لحقن دمائهم ، كما في المرويّ عن الكافي في الموثّق عن زرارة عن أبي جعفر عليهالسلام قال : سألته عن مسألة فأجابني فيها ، ثمّ جاء رجل آخر فسأله عنها فأجابه بخلاف ما أجابني ، ثمّ جاء آخر فأجابه بخلاف ما أجابني وأجاب صاحبي ، فلمّا خرج الرجلان قلت : يابن رسول الله رجلان من العراق من شيعتكم قدما ما يسألان فأجبت كلّ واحد بغير ما أجبت به صاحبه؟
فقال : « يا زرارة إنّ هذا خير لنا ولكم ، فلو اجتمعتم على أمر لصدّقكم الناس علينا ولكان أقلّ لبقائنا وبقائكم » قال : ثمّ قلت لأبي عبد الله عليهالسلام : شيعتكم لو حملتموهم على الأسنة أو على النار لمضوا وهم يخرجون من عندكم مختلفين ، قال : فأجابني بمثل جواب أبيه.
وفي المرويّ عن كتاب العدّة مرسلا عن الصادق عليهالسلام أنّه سئل عن اختلاف أصحابنا في المواقيت ، فقال : « أنا خالفت بينهم ».
والمرويّ عن الكافي أيضا بسنده عن موسى بن أثيم قال : كنت عند أبي عبد الله عليهالسلام فسأله رجل عن آية من كتاب الله فأخبره بها ، ثمّ دخل عليه داخل فسأله عن تلك الآية فأخبره بخلاف ما أخبر به الأوّل ، فدخلني من ذلك ما شاء الله ـ إلى أن قال ـ : فبينما أنا كذلك إذ دخل عليه آخر فسأله عن تلك الآية فأخبره بما أخبرني وأخبر صاحبي فسكنت نفسي وعلمت أنّ ذلك منه تقيّة. ثمّ التفت إليّ وقال : « يا ابن أثيم إنّ الله فوّض إلى سليمان بن داود فقال ( هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ ) وفوّض إلى نبيّه صلىاللهعليهوآلهوسلم فقال : ( ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ) فما فوّض إلى رسول الله فقد فوّض إلينا » إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة في هذا المعنى ، فتبيّن من ذلك أنّ الاختلاف قد يكون من مقتضى الحكمة الإلهيّة.
وبالجملة الاختلاف في الفتاوي مشترك اللزوم.
نعم يستحيل وقوعه مع التمسّك بكلام مسموع منهم شفاها مع انتفاء جهة التقيّة وسائر الجهات المخلّة بإدراك الواقع ، مع أنّ الحكم المخالف إذا أقامه الشارع مقام الواقع ورتّب