الظواهر ، ومورد استفادة الأحكام منه إنّما هو محكماته. ودعوى عروض الإجمال لها بأسرها غير مسموعة ، كما أنّ دعوى قيام المنع من الأخذ بظواهره من أهل العصمة بالخصوص غير مسموعة ، ومجرّد وجود الناسخ والمنسوخ وغيرهما فيه لا يقضي بالمنع بعد ما كان كلّ من ذلك مضبوطا في محلّه معلوما لدى أهله ، وإلاّ فهذه الامور كما أنّها موجودة في القرآن كذلك في السنّة النبويّة على ما ورد به النصوص ، بل في السنّة الإماميّة أيضا على بعض الوجوه خصوصا العامّ والخاصّ والمحكم والمتشابه والظاهر والمأوّل على ما نطق به النصوص.
وعن ثالثها : بما يظهر أيضا بالتأمّل فيما ذكر ، إذ لا طريق لنا غير التمسّك بكلامهم بالمعنى الأعمّ من المقطوع به والموثوق به ، مع أنّ أكثر الاختلافات الحاصلة فيما بين الأصحاب في المسائل الشرعيّة إنّما نشأت عن الاختلاف الموجود في الأخبار كما هو المصرّح به في كلام العلماء الأخيار المنصوص به في آثار الأئمّة الأطهار ، فمن الأوّل ما تقدّم نقله عن شيخ الطائفة ورئيس الفرقة في أوّل تهذيبه ، حتّى أنّ هذا الاختلاف في الشدّة والظهور صار بحيث أوجب عدّه عند المخالفين من مطاعن الشيعة ، بل أوجب تزلزل جماعة من الشيعة في حقيقة مذهبهم ، بل عدول بعض قاصريهم عن التشيّع بعد ما كان من الشيعة.
وإن شئت لاحظ عبارة التهذيب حيث يقول : « ذاكرني بعض الأصدقاء ممّن أوجب حقّه بأحاديث أصحابنا وما وقع فيها من الاختلاف والتباين والمنافاة والتضادّ حتّى لا يكاد يتّفق خبر إلاّ وبإزائه ما يضادّه ، ولا يسلم حديث إلاّ وفي مقابلته ما ينافيه ، حتّى جعل مخالفونا ذلك من أعظم الطعون على مذهبنا وتطرّقوا بذلك إلى إبطال معتقدنا ، وذكروا أنّه لم يزل شيوخكم السلف والخلف يطعنون على مخالفيهم بالاختلاف الّذي يدينون الله تعالى به ويشنّعون عليهم بافتراق كلمتهم في الفروع ويذكرون أنّ هذا ممّا لا يجوز أن يتعبّد به الحكيم ، ولا أن يبيح العمل به العليم ، وقد وجدناكم أشدّ اختلافا من مخالفيكم وأكثر تباينا من مبائنيكم ، ووجود هذا الاختلاف منكم مع اعتقادكم بطلان ذلك دليل على فساد الأصل ، حتّى دخل على جماعة ممّن ليس لهم قوّة في العلم ولا بصيرة بوجوه النظر ومعاني الألفاظ شبهة ، وكثير منهم رجع عن اعتقاد الحقّ لمّا اشتبه عليه الوجه وعجز عن حلّ الشبهة فيه ، سمعت شيخنا أبا عبد الله يذكر أنّ أبا الحسين الهاروني العلوي كان يعتقد الحقّ ويدين بالإمامة فرجع عنها لما التبس عليه الأمر في اختلاف الأحاديث وترك المذهب ودان بغيره لمّا لم يتبيّن له وجوه المعاني فيها » إلى آخر ما قال.