التمسّك في نفس أحكامه تعالى بما لا يرجع إلى كلام العترة الطاهرة أصلا.
ولقد تقدّمت الأدلّة القطعيّة على أنّ كلامهم الّذي يجب التمسّك به أعمّ من المقطوع به ومن المظنون الموثوق به وإن استلزم ذلك كون الحكم في الغالب مظنونا ، إلاّ أنّ العمل بهذا الظنّ عمل في الحقيقة بالقطع المتعلّق به والعمل به على هذا الوجه ممّا لا مناص عنه ، كيف واعتبار كونه بنفسه معلوما من جهة كلامهم ممّا لا يتأتّى إلاّ بعد إحراز مقدّمات عديدة علميّة :
إحداها : العلم بأصل كلامهم.
وثانيتها : العلم بكون صدوره على جهة بيان الواقع لا على جهة التقيّة.
وثالثتها : العلم بمتون الكلام المعلوم صدوره منهم.
ورابعتها : العلم بمراداتهم من تلك المتون المعلومة كونها منهم بكون دلالاتها على جهة النصوصيّة ولو بمعونة القرائن القطعيّة.
وخامستها : العلم بعدم معارض له من كلامهم وما هو بحكم كلامهم أو دفع معارضة المعارض بطريق علمي.
ومن المعلوم بحكم الضرورة تعذّر العلم في الغالب من جميع هذه الجهات لانسداد باب العلم إلى إحراز هذه المقدّمات بأسرها ، ومعه كيف يعتبر كون الحكم الشرعي في جميع المسائل الشرعيّة بنفسه معلوما؟ فبعد سقوط العلم عن درجة الاعتبار تعيّن الأخذ بالظنّ المتعلّق بنفس الحكم غالبا لكون الأخذ به في الحقيقة أخذا بالعلم المتعلّق به.
وعن ثانيها : بما يظهر بالتأمّل فيما ذكر ، فإنّ أصحابنا المجتهدين عاملون بمضمون هذا الحديث الشريف غير خارجين عنه ، بل حقّ العمل به ـ على ما هو ظاهره من استقلال كلّ من الثقلين في كونه مرجعا يتمسّك به ـ ما بنوا عليه من التمسّك بالكتاب أيضا مستقلاّ ، ولا مخرج عنه ليوجب سقوط القرآن عن الاستقلال في إفادة بعض الأحكام وتقيّده بمورد وجود التفسير من كلام العترة ، وما ورد في الأخبار المتواترة من أنّ علم القرآن مخصوص بهم منحصر فيهم لا ينافي ذلك ، لكون المعلوم من ملاحظة مجموع هذه الأخبار أنّ العلم بمجموع القرآن أو العلم بظواهره وبواطنه مخصوص بهم ، وهذا لا ينافي كون غيرهم متمكّنا من العلم ببعضه.
والّذي لا يتمكّن منه غيرهم إنّما هو العلم بمتشابهاته وبواطنه الخارجة عن قانون