أحدها : نفس فرض كون مجتهداته أحكاما فعليّة في حقّه ، فإنّ معنى كونها أحكاما فعليّة وجوب التديّن بها وبناء العمل عليها وتحصيل امتثال الأحكام الواقعيّة المعلومة بالإجمال بواسطة التعرّض لامتثالها ، على معنى أنّ الشارع تعالى لا يريد منه امتثال أحكامه الواقعيّة إلاّ بتلك الواسطة.
وقضيّة ذلك أن لا يجوز له العدول عنها إلى غيرها ، ومن المعلوم أنّ الامور المأخوذة بالتقليد غيرها فلا يجوز العدول إليها.
وثانيها : الإجماع الضروري المتحقّق فيما بين الطائفة على وجه لا يعتريه شائبة شبهة ، ولقد تقدّم نقل الإجماع عن جماعة من أساطين الفرقة وكلماتهم في الكتب الاصوليّة والفقهيّة مملوّة من التصريح بحرمة التقليد على المجتهد.
وثالثها : نفس الأدلّة القاضية من العقل والنقل كتابا وسنّة بحرمة العمل بما وراء العلم ، إذ قد عرفت أنّ مؤدّيات الاجتهاد في حقّه معلوم كونها أحكاما قطعيّة ، فهو بالقياس إليها عالم بخلاف الامور المأخوذة بالتقليد لعدم علمه بكونها أحكاما فعليّة في حقّه فيحرم العمل بها ، ولعلّه إلى ذلك يشير ما عن المعارج عند الاحتجاج على الحكم المذكور بقوله : « لأنّه عدول عمّا علم إلى ما يظنّ » ويمكن رجوعه إلى أوّل وجوهنا المذكورة ، وكائنا ما كان فما احتجّ به في غاية المتانة وإن أمكن المناقشة فيه من حيث تعبيره عن التقليد بالظنّ كما لا يخفى.
فالأولى أن يعبّر عنه « بما لم يعلم » ، وكيف كان فالتقليد منفيّ في حقّه بنفس الأدلّة المانعة من العمل بما وراء العلم ، بل التحقيق أنّ الرجوع إلى التقليد مع العلم فعلا بالأحكام الفعليّة قبيح عقلا وفاعله مذموم عند العقلاء ويعدّ لأجله من جملة السفهاء كما لا يخفى.
ورابعها : قاعدة الاشتغال واستصحابه ، فإنّ امتثال الأحكام المعلومة بالإجمال قد ثبت اشتغال الذمّة بها بالضرورة والإجماع ، والأخذ بمؤدّيات الاجتهاد مبرئ يقينا بخلاف التقليد ، فتعيّن المصير إليه.
لا يقال : لا كلام في جواز الاكتفاء بمؤدّيات الاجتهاد وإنّما الكلام في تعيينه على وجه لا ينوب عنه غيره ، فلم لا تقول بكونه أحد فردي الواجب التخييري الّذي فرده الآخر هو التقليد لأصالة البراءة عن الضيق الّذي يتضمّنه التعيين ، ولذا يقال بأصالة التخيير في مسألة دوران الأمر بين التعيين والتخيير؟