التأمّل في جوازه بل تعيّنه ـ ولم يكن هناك مانع شرعي كما نصّ عليه في المفاتيح بل ولا مانع عقلي من الاجتهاد ، ومرجعه إلى اعتبار كونه قادرا بالفعل على الاجتهاد بوجود شرائطه العقليّة والعاديّة وفقد موانعه العقليّة والشرعيّة والعاديّة ، وإذا انتفى بعض الشرائط أو وجد بعض الموانع فهل يتعيّن عليه العمل بالاحتياط أو يجوز له التقليد أيضا؟ وجهان : من قاعدة الشغل ، ومن ظاهر الأكثر كما قيل وستعرف تحقيقه في آخر المسألة إن شاء الله.
الأمر الثاني : أنّ التقليد المبحوث عنه في حقّ العالم البالغ رتبة الاجتهاد هو التقليد المشروع للعامّي وهو الأخذ بفتوى الفقيه على وجه يكون فتواه منشأ للحكم ومدركا له ، وضابطه دخول تلك الفتوى في كبرى دليل المقلّد الّذي يعبّر عنه : « بأنّ كلّ ما أفتى به المفتي فهو حكم الله في حقّي ».
وبذلك اندفع ما أشكل الأمر على بعض الفضلاء. فأورد على منع التقليد في حقّ المجتهد الّذي يندرج فيه موضوع البحث أيضا بموارد نقض كعملهم بالإجماع المنقول وبالشهرة عند من يراها حجّة ، وبقاعدة التسامح في أدلّة السنن في مورد فتوى الفقية ولو واحدا ، بتقريب : أنّ الأوّل أخذ بفتوى المجمعين الّتي نقلها ناقل الإجماع ، والثاني أخذ بفتوى الأكثر ، والثالث أخذ بفتوى الفقيه الواحد ، حيث قال :
« ويشكل بما ذهب إليه كثير من حجّية الإجماع المنقول من حيث نقل المنكشف ، وما ذهب إليه قوم من حجّية الشهرة ، وما ذهب إليه بعض من الاكتفاء في إثبات السنن بالفتوى وإن اتّحد المفتي من حيث النصّ لا من حيث الاحتياط ، فإنّ ذلك كلّه بحسب الظاهر تقليد ، إذ لا نعني به إلاّ الأخذ بفتوى الغير من غير حجّة ، قطعيّة كانت الفتوى أو ظنّية ، اتّحد المفتي أو تعدّد ، وإن كان الأخذ لحجّة وهي الأدلّة الدالّة على جواز التمسّك بالمذكورات » انتهى.
وظنّي أنّه لو أخذ مورد النقض مكان المذكورات عمل السلف بفتاوى عليّ بن بابويه واعتمادهم عليها لكان أوضح في الإشكال وأنسب بالنقض ، وكيف كان فالإشكال المذكور ليس في محلّه والنقض وارد على خلاف التحقيق ، إذ ليس في شيء من المذكورات تقليد بالمعنى المتقدّم الّذي فسّره بالأخذ بفتوى الغير من غير حجّة.
أمّا الأوّل : فلأنّ الأخذ بالإجماع المنقول إن كان من باب أنّه نبأ عدل لعموم أدلّة حجّية نبأ العدل الشامل له أيضا فالعمل به عمل بقول الإمام ، فهو منشأ الحكم ومدركه لا فتوى المجمعين.