غاية الأمر أنّ قول الإمام قد يدرك بطريق الحسّ كما في الخبر المصطلح وقد يدرك بطريق الحدس كما في نقل الإجماع ، فإنّ ناقل الإجماع إنّما ينقل ما أدركه من قول الإمام حدسا من ملاحظة الإجماع ، وإن كان
من باب كشفه قطعا أو ظنّا عن قول الحجّة. فالعمل به عمل بالمنكشف أيضا وهو قول الحجّة لا بالكاشف ، وهذا هو معنى حجّيّته من حيث المنكشف لا غير.
وأمّا الثاني : فلأنّ الأخذ بالشهرة إن كان على ما نراه في العمل بها في بعض الأحيان من كونها كاشفة على وجه الاطمئنان عن وجود دليل معتبر للأكثر بحيث لو ظفرنا به لم نتعدّه ولم نخرج عن موجبه فالعمل بها في الحقيقة عمل بذلك الدليل لا بها من حيث إنّها فتوى الأكثر ، على أنّه لا يشترط في العمل بالدليل المعتبر كونه معلوما بالتفصيل بل يكفي كونه معلوما بالإجمال كما نقول بنظيره في العمل بالإجماع المحصّل حيثما نعمل به ، فإنّه باعتبار كشفه القطعي عن دليل معتبر لو ظفرنا به لم نتعدّه ولم نخالفه ، وإن كان على أنّها تورث الظنّ بالحكم فالعمل بها من باب حجّية مطلق ظنّ المجتهد ـ لقيام القاطع بحجّيته ـ عمل بذلك الظنّ لا بها من حيث إنّها فتوى الأكثر.
غاية الأمر أنّها أحد أسباب الظنّ الّذي هو مناط العمل.
وأمّا الثالث : فلأنّ قاعدة التسامح على رأي من يخصّها بالخبر الضعيف ولا يعمّها بالنسبة إلى فتوى الفقيه لا تصلح موردا للنقض.
وأمّا على رأي من يعمّها بالقياس إلى الفتوى أيضا لعموم البلوغ المصرّح به في الروايات المستفيضة فالعمل بها ليس أخذا بالفتوى على وجه تكون الفتوى منشأ للحكم ومدركه ليكون تقليدا ، بل منشأ الاستحباب أو الكراهة في مورد التسامح إنّما هو عمومات « من بلغه ثواب على عمل ».
غاية الأمر أنّ لهذه العمومات موضوع لا يحرزه إلاّ الخبر الضعيف أو فتوى الفقيه ، فالفتوى إنّما يؤخذ بها إحرازا لموضوع دليل الاستحباب أو الكراهة لا دليلا عليهما ومدركا لهما ليكون تقليدا.
نعم يشكل الحال على رأي من يجعل أخبار من بلغ مؤكّدة للاستحباب المستفاد من الخبر الضعيف ، لكنّ الأمر فيه هيّن إذ لم يظهر من أصحاب هذا الرأي تعميم القاعدة بالقياس إلى فتوى الفقيه.