وبملاحظة ما قرّرناه يتبيّن الوجه في اعتماد السلف على فتاوى عليّ بن بابويه ، فإنّه من جهة ما اشتهر فيما بينهم من أنّ دابه أنّه لا يفتي إلاّ بمتون الأخبار فالاعتماد على فتاويه اعتماد على الأخبار لا غير ، وليس ذلك أيضا من التقليد في شيء.
الأمر الثالث : أنّ مبنى الخلاف في المسألة على أنّ جواز التقليد هل هو مشروط بعدم التمكّن من الاجتهاد فمن تمكّن منه لا يجوز له التقليد ، أو بعدم فعليّة الاجتهاد فمن تمكّن منه يجوز له التقليد ، ومرجعه إلى اشتراط حرمة التقليد بالتمكّن من الاجتهاد أو بفعليّته ، فالاشتراط ثابت بالاتّفاق والخلاف إنّما هو في تعيين الشرط المعلّق عليه.
وحينئذ فما في حجج القول بعدم الجواز من أنّ التقليد بدل للاجتهاد جوّز ضرورة لمن لا يمكنه الاجتهاد ولا يجوز الأخذ بالبدل مع التمكّن من المبدل كالوضوء والتيمّم ليس على ما ينبغي ، لكونه مصادرة فإنّ الدليل الشرعي في التيمّم قائم بأنّه بدل اضطراري للوضوء وجوازه مشروط بعدم التمكّن منه ، والتقليد أيضا بدل ولكن كونه اضطراريّا على وجه يكون شرط جوازه عدم التمكّن من الاجتهاد لا عدم فعليّته عين المتنازع فيه ، فدعوى كونه بدلا له جوّز ضرورة لمن لا يمكنه الاجتهاد أوّل المسألة.
الأمر الرابع : ظاهر كلماتهم عنوانا ودليلا بل صريح بعضها كون النزاع في جواز التقليد ـ بالمعنى الموجود في ضمن الوجوب ـ على وجه التخيير بينه وبين الاجتهاد ووجوب الاجتهاد عينا المستلزم لحرمة التقليد عينا ، وأمّا وجوب التقليد عينا المستلزم لحرمة الاجتهاد كذلك فالظاهر أنّه لا قائل به.
فالتحقيق في عنوان المسألة حينئذ أن يقال : إنّهم بعد ما اتّفقوا على أنّ العالم المتمكّن من الاجتهاد يجب عليه امتثال أحكام الله المعلومة بالإجمال ، وهو موقوف على تحصيل المعرفة بتفاصيل الأحكام ، فتكون المعرفة واجبة من باب المقدّمة ولها بحسب الشرع طريقان.
أحدهما : أخذها بطريق التقليد.
والآخر : أخذها بطريق الاجتهاد.
اختلفوا في أنّه في تحصيل المعرفة الّتي هي مقدّمة هل يتخيّر بين الطريقين أو يتعيّن عليه أحد الطريقين وهو الاجتهاد لا غير؟ وعليه فما في حجج القول بعدم الجواز من أنّ جواز التقليد حكم شرعيّ فلابدّ له من دليل والأصل عدمه ـ كما اعتمد عليه جماعة من