العامّة كالحاجبي والعضدي وغيرهما ـ غير سديد ، إذ قد عرفت أنّ الأمر بالنسبة إلى التقليد دائر بين وجوبه تخييرا وتحريمه تعيينا وكما أنّ الأوّل حكم شرعي فلا بدّ له من دليل.
والأصل عدمه فكذلك الثاني حكم شرعيّ فلابدّ له من دليل والأصل عدمه ، فالأصل على فرض صحّته معارض بمثله وإعمال الأوّل دون الثاني تحكّم.
وأمّا ما في شرح المختصر للعضدي من دفعه المعارضة بقوله : « لا يقال : هذا معارض بعدم الجواز ، لأنّ الانتفاء نفي يكفي فيه عدم دليل الثبوت. وقد يقال : إنّ التحريم الشرعي ينفي الجواز الثابت بالأصل ».
فمع أنّه يعارضه ما يقال : من أنّ الجواز بمعنى الاباحة يكفي في ثبوته عدم دليل المنع. فيه : أنّ هذا إنّما يسلّم فيما لو دار الأمر بين ثبوت حكم وجودي وانتفائه لا فيما إذا دار الأمر بين حكمين وجوديّين كما فيما نحن فيه ، بل قد يمكن أن يقال : إنّ الأصل في مفروض المقام يقتضي الجواز ، لأنّ عدمه يستلزم ترتّب الذمّ والعقوبة على الفعل وهو ممّا لابدّ له من دليل والأصل عدمه.
بل قد يقال : ـ على ما أشرنا إليه في المسألة السابقة ـ إنّ الأصل فيما دار الأمر بين الجواز التخييري والجواز التعييني هو الأوّل.
وأمّا ما حكاه من القول بأنّ التحريم الشرعي ينفي الجواز الثابت بالأصل فالمراد به غير واضح ، إلاّ أن يوجّه بأحد الوجهين :
الأوّل : ما أشرنا إليه في المسألة السابقة في أدلّة تحريم التقليد ثمّة من تحكيم قاعدة الاشتغال في اقتضاء التعيين على أصل البراءة المقتضي للتخيير عند دوران الأمر بينهما ، قيقال : إنّ جواز التقليد تخييرا أنّما يثبت بحكم الأصل وقاعدة الشغل المقتضية لتعيين الاجتهاد تقتضي تحريمه وهي واردة على أصل البراءة دافعة لموضوعه ، فتكون بالقياس إليه بمثابة الأدلّة الشرعيّة فمقتضاها وهو التحريم ينفي مقتضى الأصل وهو الجواز التخييري.
لكن يبقى الإشكال في أنّ هذه القاعدة لا تقتضي التحريم الشرعي ، بل غاية ما تقتضيه إنّما هو عدم الاجتزاء بالتقليد ونحوه في مقام الامتثال ، إلاّ أن يراد بالتحريم الشرعي ما يلزم من جهة التشريع ولعلّه مراد كلّ من أطلق التحريم هنا غير أنّه بعيد.
والثاني : أنّ جواز التقليد ـ لو سلّمناه ـ إنّما يثبت بمقتضى الأصل الأوّلي وهو أصالة البراءة عن التحريم الجارية في كلّما لم يرد نصّ على تحريمه.