وكذلك لم يصدر من اولي الأمر ـ لو اريد بهم العلماء ـ أمر باتّباعهم إليه ، لما عرفت من أنّه لم يوجد فيما بين العلماء من أصحابنا قول محقّق بجواز التقليد له ، ولو كان فيهم قول محقّق به أو عمّم « اولو الأمر » بحيث يشمل العلماء من العامّة لم يكن مجديا لكون المسألة خلافيّة وأكثرهم يحرّمون التقليد بالنسبة إليه ، فإطاعة المجوّزين يعارضها إطاعة المحرّمين وأقصى مراتبه على فرض التكافؤ وفقد المرجّح التساقط ، فيبقى وجوب الاجتهاد سليما عن المعارض ، ويندرج بهذا الاعتبار في أوامر الإطاعة. فالآية حينئذ تنهض دليلا على المختار.
بل لنا أن نقول : إنّ الترجيح في جانب القول بالتحريم ، إذ الأمر ـ على ما سبق بيانه ـ دائر بين الحرمة عينا والوجوب تخييرا ، والأخذ بمقتضى الحرمة لا ينافي العمل بمقتضى الوجوب تخييرا ، لأنّ المأخوذ حينئذ أحد فردي الواجب التخييري ، بخلاف الأخذ بمقتضى الوجوب تخييرا فإنّه ينافي العمل بمقتضى الحرمة كما لا يخفى. ومن البيّن تعيّن الأخذ من المتعارضين بما لا ينافي العمل به العمل بالآخر.
ولو قرّر الأمر بإطاعة اولي الأمر بالنسبة إلى فتاوى المجتهد الآخر في كلّ واقعة بأن يقال : إنّها إمّا أمر أو نهي فتندرج من هذه الجهة في موضوع أوامر الإطاعة.
فيتوجّه إليه منع كون الإفتاء من باب الأمر والنهي وإنّما هو إخبار عن مؤدّى الاجتهاد والمذهب ، والأمر والنهي هو المخبر به المأخوذ في قضيّة هذا الإخبار ، وهما بالقياس إلى من يتوجّهان فعلا راجعان إلى أوامر الله ورسوله ونواهيهما ولا مدخل للمجتهد المفتي فيهما.
والمفروض أنّه لم يتبيّن بالدليل توجّههما إلى محلّ البحث على وجه يكونان حكمين فعليّين بالنسبة إليه ، كما أنّهما حكمان فعليّان بالنسبة إلى العامي المقلّد لهذا المفتي ، لأنّ أصل الشبهة في تلك القضيّة لا غير ، فمع الشكّ في اندراجها بالنسبة إليه في موضوع أوامر الإطاعة كيف يستدلّ بتلك الأوامر على وجوب اتّباعه المجتهد الآخر.
وبالجملة : فسقوط الاستدلال بتلك الآية ونظائرها في غاية الوضوح.
وثالثها : قوله عزّ من قائل : ( فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ )(١) الآية أوجب الحذر عند إنذار الفقيه مطلقا فيتناول العالم كالعامي.
والجواب عن ذلك :
__________________
(١) التوبة : ١٢٢.