وعن الإحكام : « أنّ المراد باولي الأمر العلماء ، أمر غير العالم بإطاعة العالم ، وأدنى درجاته جواز اتّباعه فيما هو مذهبه ».
والجواب عنه ـ بعد الإغماض عمّا تقدّم من ظهور الأمر في التعيين وهو منفيّ في المقام بالإجماع ولا شاهد للحمل بخلافه ـ من وجوه :
الأوّل : أنّ الاستدلال بتلك الآية ونظائرها ممّا ذكر فيه اولوا الأمر لا يلائم مذهبي الفريقين العامّة والخاصّة ، لكون اولي الأمر عند الأوّلين سلاطينهم وعند الآخرين أئمّتهم المعصومين ، وانتقال الأمر بعدهم في كلّ عصر إلى علماء شيعتهم على جهة النيابة العامّة لا يقضي بدخولهم في الخطاب خصوصا مع ملاحظة اختصاصه بالمشافهين ، وما عرفت من الإحكام من كون المراد باولي الأمر العلماء غير واضح الوجه ، مع ما هم عليه في اولي الأمر.
والثاني : أنّ أوامر الإطاعة كنواهي المعصية إرشاديّة يراد بها الهداية المعرّاة عن الطلب ، فهذا لا يترتّب على موافقتها ومخالفتها سوى ما يترتّب على الأوامر الخاصّة ، فلا يستفاد منها الوجوب المطلوب في المقام فضلا عن كونه تخييريّا.
والثالث : أنّ الأمر في الآية وارد بصيغة واحدة متعلّق بإطاعة الرسول واولي الأمر ، ومعلوم أنّ الإطاعة باعتبار إضافتها إلى الله أو الرسول تعتبر عينا ولا بدل لها بهذا الاعتبار ليعتبر بينهما التخيير كما لا يخفى.
وقضيّة ذلك كونها باعتبار إضافتها إلى اولي الأمر أيضا كذلك ، فيكون مفاد الآية حينئذ وجوب التعيين وهو خلاف المطلوب.
والرابع : أنّ إطاعة الله ورسوله واولي الأمر عبارة عن الانقياد والامتثال لهم في كلّ ما يأمرون به وينهون عنه ، والأمر بها ـ لو سلّم كونه أمرا حقيقيّا مرادا به الطلب الحقيقي ـ إنّما يرد مؤكّدا للأوامر والنواهي الخاصّة المتعلّقة بالوقائع المخصوصة حسبما يساعد عليه النظر.
وقضيّة ذلك موضوعيّة الأوامر والنواهي الخاصّة لهذا الأمر ، ومن البيّن أنّ تعلّق الأمر بالمكلّف وتوجّهه إليه يتبع تحقّق موضوعه بالقياس إلى المكلّف على معنى كون الموضوع محرزا في حقّه ، ضرورة استحالة توجّه الأمر التابع لموضوع مع انتفاء هذا الموضوع.
والمفروض أنّه لم يتوجّه من الله ورسوله إلى العالم البالغ رتبة الاجتهاد أمر باتّباع مجتهد غيره ليندرج ذلك الأمر في أوامر الإطاعة ويكون من جملة موضوعاتها.