أمّا على القول بكون الأمر مجازا في التخيير فوجهه واضح.
وأمّا على القول الآخر أو على المختار فلكون التخيير أرجح باعتبار كون الأمر أظهر في التعيين من المطلق في الإطلاق ، وعليه مبنى حمل المطلق على المقيّد في نحو « أعتق رقبة » و « أعتق رقبة مؤمنة » كما حقّق في محلّه مع قيام احتمال التخيير في الأمر بالمقيّد ، وإلى ذلك ينظر ما قيل في دفع الاستدلال بها من أنّ المتبادر من إطلاق الأمر الوجوب العيني ، فيجب حمل الأمر في الآية عليه حملا للّفظ إمّا على الموضوع له أو على الفرد المتبادر ، وهذا الوجوب منفيّ بالنسبة إلى المفروض بالإجماع فيكون متوجّها إلى العامي فيبطل التمسّك بها.
وأمّا ما قيل في دفعه : من أنّا لا نسلّم أنّ الأمر موضوع للوجوب العيني ، بل هو موضوع للأعمّ من العيني.
ففيه ـ مع أنّ الوضع للأعمّ لا ينافي تبادر العيني من جهة الانصراف إلى أظهر الفردين وأشيعهما وهذا كاف في سقوط الاستدلال بها جزما ـ : أنّ التحقيق على ما قرّرناه في محلّه أنّ التعيين والتخيير بحسب الحقيقة ليسا فردين ممّا وضع له الأمر مادّة أو صيغة ، ولا أنّ التخيير في موارده تصرّف في مفهوم نفس الأمر ، كيف وليس مفهوم « الأمر » بحسب الوضع إلاّ الطلب الحتمي الّذي لابدّ له من متعلّق غير أنّه قد يتعلّق بشيء واحد بعينه ، وقد يتعلّق بشيئين على جهة البدليّة المسقطة لجهة التعيين عن كليهما ، فالتعيين والتخيير اعتباران في متعلّق الأمر لا نفسه فيكون التخيير في مواضعه تصرّفا في المأمور به.
وحقيقة هذا التصرّف ترجع إلى اعتبار التقييد في كلّ من الشيئين أو الأشياء الواقع بينها التخيير ، على معنى كون كلّ في المطلوبيّة الحتميّة مقيّدا بحالة عدم حصول صاحبه ، وظاهر أنّ التقييد كائنا ما كان لابدّ له من شاهد وهو في المقام مفقود ، ومجرّد تعذّر الحمل على التعيين من جهة الإجماع لا ينهض شاهدا بتعيين هذا التقييد ، لمعارضة ما ذكرناه من التقييد مع كونه أولى وأرجح بملاحظة ما بيّنّاه ، وعليه فالآية ليست مع محلّ البحث أصلا فسقط الاستدلال بها رأسا.
وثانيها : قوله عزّ من قائل : ( أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ )(١) لنفوذ أمرهم على الامراء والولاة.
__________________
(١) النساء : ٥٩.