وممّا يرشد إليه ما عليه الإجماع في آية التيمّم المعلّقة على عدم وجدان الماء من حملها على عدم التمكّن منه ، كما يستفاد ذلك من الأخبار الواردة في باب التيمّم أيضا ، وليس ذلك كلّه إلاّ من جهة ظهور الهيئة التركيبيّة عند العرف في التعليق على عدم القدرة والتمكّن.
وإن شئت فقل : بظهورها عرفا في انتفاء فعليّة العلم في حقّ من لا يتمكّن منه من غير جهة السؤال ، على معنى انحصار الطريق بالنسبة إليه في هذا السؤال من الغير.
ويؤيّد هذا الظهور أنّه لو كانت الآية مع من يتمكّن من العلم من غير جهة السؤال أيضا أو لما يعمّه لقضى بأنّ له طريقين إلى العلم ، وإرجاعه إلى طريق السؤال ليس بأولى من إرجاعه إلى الطريق الآخر ، بل الأولى إرجاعه إلى هذا الطريق لأنّه أدخل في إفادة الوثوق والاطمئنان وحصول الجزم بالمطلب ، لما في طريق السؤال من الاحتمالات المانعة من هذه الامور أو المحتاجة في رفعها إلى توسيط مقدّمات كثيرة وإحراز مطالب اخر ـ الّذي لا يكون في الغالب إلاّ بمراجعة اصول غير صالحة لإفادة العلم ـ ما هو في الكثرة بحيث لا يخفى ، كاحتمال الكذب والتورية والتقيّة والخطأ والسهو والنسيان ونحو ذلك ، فإنّ هذه الاحتمالات المبعّدة عن الواقع قائمة في جواب المسؤول وليس شيء منها قائما في الطريق الآخر.
والمفروض أنّ المطلوب بالآية تحصيل العلم بالمطلب فمقتضى الحكمة إرجاع الجاهل إلى أسرع الطريقين وأعمّهما في إفاده العلم.
إلاّ أن يدفع ذلك : بأنّه إنّما يتمّ إذا كان الغرض من الأمر بالسؤال استحصال العلم وهو في حيّز المنع ، لجواز كون الغرض مجرّد العمل تعبّدا من غير نظر إلى الواقع ، كما هو الحال في موارد التقليد وفي سائر الأمارات الشرعيّة التعبّديّة المجعولة لمجرّد احتمال مطابقتها الواقع.
لكن نقول : مع التمكّن من العلم على نحو الاستقلال فالحمل على مسألة الغير حمل له على أهون الطريقين وأخسّهما وأردأهما ، وهذا ممّا لا يكاد يتحمّله العقلاء كما يظهر وجهه بملاحظة ما سبق في ذيل الوجه الأخير من أدلّة المختار.
والرابع : أنّ الأمر الوارد في الآية ظاهر في التعيين وهو في محلّ البحث منفيّ بالإجماع كما أشرنا إليه في صدر المسألة ، وحمله على وجوب التخيير كما هو المقصود يحتاج إلى شاهد مفقود في المقام ، فوجب حمله على غير المتمكّن الّذي مرجعه إلى ترجيح التقييد في مسألة دوران الأمر بينه وبين حمل الأمر على التخيير.