جميع المكلّفين لانتفاء مقدّماته عن الجميع ، فلا يعقل كون الخطاب به متوجّها إلى الجميع على نحو التخيير بل الّذي يصلح لأنّ يتوجّه الخطاب به إلى الجميع إنّما هو الاجتهاد بمعنى تحمّل المشقّة في تحصيل تلك المقدّمات مع ما في كون ذلك مقدورا لكلّ واحد من الآحاد من الإشكال ما لا يخفى ، بل القدرة على هذا المعنى أيضا منتفية عن أكثرهم.
نعم القدرة على تحمّل مؤونة القادر عليه عامّة لكن لا للجميع أيضا.
وبالجملة : الخطاب الكفائي في جميع مراتبه وفروضه كالخطاب العيني لا بدّ وأن يخصّ بالمتمكّنين من متعلّقه ، والّذي يسلّم كون الخطاب به كفائيّا من معنى الاجتهاد هو المعنى الثاني ، فإذا قام من يقدر عليه ويقوم به الكفاية وأقدم عليه إلى أن يفرغ من استحصال المقدّمات بأسرها سقط الفرض عن الآخرين ويصير هو بذلك مجتهدا بالملكة فيتوجّه إليه حينئذ الخطاب بالاجتهاد بالمعنى الأوّل عينا ، فلا تنافي بين القضيّتين أصلا.
نعم قضيّة ما فصّلناه كون الأمر بالاجتهاد بهذا المعنى مشروطا بحسب الواقع ، ولا ينافيه وروده في الآية بعبارة الإطلاق لأنّ المحقّق عندنا ـ على ما قرّرناه في محلّه ـ أنّ المشروط في الحقيقة مطلق مخصوص بواجدي الشرط وإن ورد في القضيّة بعبارة التعليق والاشتراط ، فوروده في الآية مطلقا من جهة اختصاصه بموضوعه الّذي هو واجد للشرط ، فليتدبّر جدّا.
ورابعها : أنّه حكم يسوغ فيه الاجتهاد ، فجاز لغير العالم تقليد العالم كالعامي ، لجامع العمل بالظنّ المستند إلى قول الغير.
والظاهر أنّ الاجتهاد في عبارة هذا الدليل مراد به القياس على ما هو من مصطلح العامّة ، فمحصّل الدليل حينئذ : أنّ جواز التقليد في محلّ البحث حكم يجوز فيه القياس ، وقوله : « فجاز لغير العالم » إلخ تقرير لهذا القياس الجائز في هذا الحكم. فجوابه أوّلا : بمنع جواز القياس لبطلانه في جميع الأحكام.
وثانيا : بمنع جامعيّة الجامع المذكور ، فإنّ التقليد تعبّد لا أنّه عمل بالظنّ المستند إلى قول الغير.
وثالثا : بإبداء الفارق من حيث إنّ العامي إنّما جوّز له العمل بهذا الظنّ لعدم تمكّنه من غيره بخلاف المقام.
وخامسها : الإجماع على قبول خبر الواحد عن المجتهد بل عن العامي ، ووجوب عمل المجتهد اعتمادا على عقله ودينه ، وهذا قد أخبر المجتهدين منتهى بذل الجهد فجواز العمل به أولى.