المرجّحات المحرزة للدلالة من غير توقّف فيها على التنصيص بخلاف سائر المرجّحات الّتي صار الأخباريّون فيها إلى اعتبار ورود النصّ والاقتصار في الترجيح على المنصوص بالخصوص.
ومع الغضّ عن جميع ذلك نقول : إنّه لا شبهة في أنّهم قديما وحديثا اتّفقوا على حجّية فهم من يستند فهمه إلى الكتاب والسنّة ، والمفروض أنّه في الغالب ظنّي لانسداد باب العلم بالنسبة إلى معظم الأحكام فيكون هذا الاتّفاق إجماعا منهم على حجّية هذا الفهم الظنّي.
ومعنى إجماعهم عليه تواطؤهم على الجزم واليقين كما يفصح عنه تصريحاتهم بعدم كون الظنّ ممّا يثبت بالظنّ.
ومن المعلوم بملاحظة عدلهم وورعهم وتقواهم وشدّة اهتمامهم في المحافظة على فروع أحكام الشرع فضلا عن اصولها أنّ ذلك منهم ليس مجرّد اقتراح ولا محض اقتحام بلا دليل ، بل إنّما نشأ لهم عن قاطع بلغهم عن إمامهم ورئيسهم المعصوم في خصوص المسألة وإن لم نعلمه بالخصوص ، أو عن قاطع كلّي قال بموجبه الإمام وإن لم يكن له اختصاص بالمسألة كقبح التكليف بغير المقدور ، أو غيره من المقدّمات الكلّية القطعيّة عقليّة أو شرعيّة وإن لم نعلمه على التعيين ، لا بمعنى إناطة الاطّلاع على الإجماع بسبق الاطّلاع على مدركه القاطع حتّى يقال : إنّ سبق الاطّلاع عليه ممّا يغني عن التمسّك بالإجماع ويرفع الحاجة إليه ، بل بمعنى أنّ سبق الاطّلاع على الإجماع ابتداء ومن غير التفات إلى شيء آخر ممّا يوجب انكشاف رأي الإمام ومعتقده ولو من جهة كونه من جزئيّات اعتقاده بموجب القاطع العامّ المنضبط الّذي استقلّ بإدراكه العقل على سبيل اليقين وإن لم نلتفت إليها على جهة التعيين.
وبالجملة الإجماع المفروض ممّا يكشف عن رأي المعصوم بأحد الوجهين كشفا ابتدائيّا بحيث لو لا النظر إليه لم يكن الكشف حاصلا ، فلا يعتبر في انعقاده سبق سؤال ولا في الاطّلاع عليه سبق العلم بمستنده كائنا ما كان.
ومن الأعلام من تفصّى عن الشبهة المذكورة بوجوه ثلاث ، أحدها مبنيّ على حمل الإجماع المدّعى هنا على إرادة معناه اللغوي ، والآخران على إرادة معناه المصطلح عليه.
أمّا الأوّل : فقال : « إنّ مرادهم من دعوى الإجماع لعلّه إجماع العقلاء وأهل العدل من