الإجماع مثلا فهو مبنيّ على فرض المسألة بلا دليل الحجّية وقطع النظر عن الدليل الوارد فيها إجماعا كان أو غيره ، ومعنى قطع النظر عن الإجماع فرضه معدوما ، وهو لا يجامع أخذه مرجّحا لأنّ المعدوم لا يرجّح الموجود ، وملاحظته موجودا تقضي بانعدام هذا الموجود ، بل حقيقة معنى المرجّح هاهنا كون شيء مبيّنا لموضوع الدليل ، ودليل الانسداد على تقدير جواز : الجمع بينه وبين دليل الإجماع أولى باعتباره مبيّنا لموضوع دليل الإجماع رافعا للإجمال عنه ، بناء على ما قرّرناه من أنّه بنفسه يقضي ببطلان التقليد في حقّ المتمكّن من الظنّ الاجتهادي ، وذلك لأنّ الإجماع على حجّية ظنّ المطلق ليس معناه ما يكون مفاده نفي حجّية ظنّ المتجزّي ، بل معناه أنّه إجماع انعقد في مورد مجمل وقضيّة الأخذ بالقدر المتيقّن منه اختصاص الحجّية بظنّ المطلق ، لكن إذا ضمّ إليه دليل الانسداد كان مفاده رفع هذا الإجمال بكشفه عن كون معقد الإجماع أعمّ من ظنّ المطلق وظنّ المتجزّي ، فليتدبّر.
وثالثها : « أنّ انسداد باب العلم والعلم ببقاء التكليف إنّما يقضي بجواز العمل بما يظنّ أنّه مكلّف به في ظاهر الشريعة لا ما ظنّ أنّه كذلك بحسب الواقع ، كما هو المقصود بالاستدلال.
وتوضيحه : أنّه بعد العلم بوقوع التكاليف فيجب في حكم العقل للحكم بالبراءة والامتثال الأخذ بما يعلم كونه موجبا لفراغ الذمّة ، ولا يتأتّى ذلك إلاّ بسلوك ما علم كونه طريقا مجعولا من الشارع إلى الواقع ، أو بأداء ما علم كونه الواقع ، ومع تعذّر العلم على أحد الوجهين بأن انسدّ سبيل العلم بما جعل طريقا إلى الواقع وانسدّ أيضا سبيل العلم بالواقع مع القطع ببقاء التكليف تعيّن تحصيل الظنّ بما جعل طريقا ، ومراعاة ما يظنّ كونه الطريق المجعول لقيام الظنّ بذلك حينئذ مقام العلم به في حكم العقل ، ولا يصحّ الاكتفاء حينئذ بمجرّد ما يظنّ معه بأداء الواقع ، وحينئذ فلا يتمّ الاحتجاج إذ مجرّد ظنّ المتجزّي بالحكم مع الشكّ في كونه مكلّفا شرعا بالعمل بظنّه أو رجوعه إلى ظنّ المجتهد المطلق لا يكفي في الحكم بحجّية ظنّه » انتهى ملخّصا (١).
وفيه من الفساد والشبهة ما لا يخفى على ذي مسكة ، إذ المفروض في دليل الانسداد انسداد باب العلم بالأحكام الواقعيّة المعلومة بالإجمال فيقابله انفتاح باب الظنّ بها ، فيتعيّن العمل به حذرا عن التكليف بما لا يطاق والإرجاع إلى الأبعد عن العلم والواقع مع وجود
__________________
(١) هداية المسترشدين ٣ : ٦٤٠.