حتّى بالنسبة إلى المجتهد المطلق.
غاية ما في الباب قضاؤها باختصاص الإذن في الحكومة بالعارف للأحكام ، ومفاده أن لا يجوز للمتجزّي مباشرة الحكومة ، وهذا ليس معنى عدم حجّيّة ظنّه في حقّه ولا حجّيّة ظنّ المطلق له ولمقلّديه ، وعدم جواز الحكومة له لا ينافي جواز عمله بظنّه في الأحكام المتعلّقة به ، لجواز كون الترافع إليه ملحقا بتقليد الغير إيّاه فلا يجوز الأوّل كما لا يجوز الثاني على ما سنقرّره.
وثانيا : أنّ النظر والعرفان بكليهما ظاهران في الفعليّين ، فحمل « الأحكام » على العموم بكلّ من الوجهين المذكورين ينافي ما اتّفقوا عليه من عدم اعتبار العموم في مقام الفعل.
وثالثا : أنّ سبق ذكر الحلال والحرام المنحلّين ظاهرا إلى الخمس المعروفة يقضي بكون الأحكام مرادا بها خصوص أحكام القضاء ، فإرادة العموم لو كانت مسلّمة لعلّها من جهة أنّ جواز القضاء بين الناس مشروط بمعرفة جميع أحكامه كما نصّ عليه الفقهاء ، ولازمه أن لا يجوز للعارف ببعض أحكامه أن يقضي بينهم ، وهذا ممّا لا ينافي جواز عمله بظنّه في الامور الراجعة إليه ، كما أنّ عدم جواز تقليد الغير له لا ينافيه.
ورابعا : أنّ « الأحكام » لو كان المراد بها ما يرادف الحلال والحرام أو ما يعمّهما ـ كما عليه مبنى الاستدلال ـ فلابدّ وأن يحمل الإضافة فيها على إرادة الجنس ، بقرينة ظهور الحلال والحرام في إرادة الجنسيّة.
ومن البيّن أنّ التصرّف في لفظ واحد أولى منه في لفظين ، مع أنّهما أظهر في إرادة الجنس من « الأحكام » في إرادة العموم ، فلا بدّ من طرح ظهورها عملا بالأظهر.
فالأقوى تعيّن عمل المتجزّي بظنّ نفسه وعدم جواز الرجوع له إلى ظنّ غيره مع كون الأوّل عملا عن معرفة والثاني عملا لا عن معرفة ، ولا ريب في رجحان الأوّل في نظر العقل ، هذا إذا كان الناظر لمعرفة حكمه غيره من المجتهدين ، وإذا كان نفسه ناظرا في معرفة حكمه فلمّا كان أمره دائرا بين المحذورين : حرمة التقليد وحرمة العمل بالظنّ ، فالمتعيّن في حقّه اتّباع العلم وانتهاء عمله إليه في المسألة الفرعيّة أو الاصوليّة أو العمل بالاحتياط ، فإن تأمّل وحصل له اليقين بجواز بنائه على ظنّه ومؤدّى اعتقاده أو بجواز تقليده الغير يبني عليه ، وإلاّ فلا مناص من الاحتياط ، هذا هو تحقيق المقام في المتجزّي بالقياس إلى عمل نفسه.