نعم إنّما يصحّ عدّه من الشروط بالقياس إلى الفقه بناء على ما اخترناه وقرّرناه في حدّه من : « أنّه العلم بالأحكام الفعليّة » ضرورة أنّ العلم بالأحكام الفعليّة لا يتأتّى إلاّ بمقدّمتين قطعيّتين ، يحرز صغراهما بالأدلّة الاجتهاديّة المتعارفة وكبراهما بالأدلّة الكلاميّة ، ولعلّه لأجل ذا أخذه المصنّف في مفتتح الكتاب كغيره من مبادئه المتقدّمة عليه بحسب المرتبة ، وإن كان لا يلائمه مختاره في جنس حدّه من حمل « العلم » على الاعتقاد الراجح ، فتأمّل.
ويمكن أن يكون ذكره ثمّة لمجرّد كونه من العلوم المتقدّمة عليه بحسب الرتبة ولو كان ذلك لمجرّد كونه من مقولة التوابع واللوازم ، فلا يناقض ما صنعه ثمّة لما صنعه هنا من عدم جعله إيّاه من شروط الاجتهاد.
أمّا أوّلا : فلعدم اتّحاد الفقه والاجتهاد بحسب المفهوم والمصداق على ما مرّ تحقيقه.
وأمّا ثانيا : فلأنّ تقدّم شيء على شيء لا يستلزم الشرطيّة ، وإنّما ذكره ثمّة لأنّ من دأب قدماء المصنّفين أن يتعرّضوا في مفتتح كتبهم لذكر مرتبة العلم بالقياس إلى غيره من العلوم تقدّما وتأخّرا ، وأسقطه هنا لعدم كونه من جملة الشروط.
وبما ذكرنا ظهر السرّ في عدم استقصائه الشروط المذكورة هنا بأجمعها ثمّة مثل العلم بالآيات والأحاديث المتعلّقين بالأحكام والقوّة القدسيّة ، لعدم كونها من مقولة العلوم الّتي يلاحظ المرتبة بينها وبين غيره.
نعم يشكل الحال بالقياس إلى العلم بأحوال الرواة ، لدخول علم الرجال في عداد العلوم ، إلاّ أن يمنع كونه على حدّ سائر العلوم المدوّنة كما لا يخفى ، فتكون حال العلم بأحوال الرواة من باب العلم بآيات الكتاب والأخبار المتعلّقة بكلّ باب ، أو يقال : بمنع كون مقصوده ثمّة حصر العلوم المتقدّمة على الفقه فيما ذكره ليضرّ خروج علم الرجال.
وبما عرفت جميعا يظهر فساد ما اعترض على كلام المصنّف هنا من أنّ ما ذكره من الشرائط هنا يخالف ما ذكره هناك ، لأنّه اعتبر هناك علم الكلام ونفاه هنا ، واعتبر هنا القوّة القدسيّة وعلم الرجال وعلمي التفسير والحديث ولم يعتبرها هناك.
وفي كلام بعض الأعيان : أنّ ما يحتاج إليه المجتهد من العلوم تسعة ، ثلاثة من العلوم الأدبيّة ، وثلاثة من المعقولات ، وثلاثة من المنقولات.
فالأوّل من الأوّل علم اللغة ، والثاني علم الصرف ، والثالث علم النحو.
والأوّل من الثاني علم الاصول ، والثاني علم الكلام ، والثالث علم المنطق.