المطلق المتصدّي للحكم والإفتاء في جميع مسائل الفقه ، أمّا الاجتهاد في حكم بعض المسائل فيكفي في معرفته ما يتعلّق بتلك المسألة وما لا بدّ منه فيها. »
ووافقه عليه السيّد في المنية قائلا : « واعلم أنّ اجتماع هذه العلوم إنّما هو شرط في المجتهد المطلق ، أمّا المجتهد في مسألة معيّنة خاصّة فلا يشترط إلاّ علمه بما يتعلّق بتلك المسألة من الاصول المذكورة عند من يجوّز تجزّي الاجتهاد » انتهى.
وعليه فما في عبارة المصنّف كغيرها لجماعة (١) من قيد الإطلاق يراد به الاحتراز عن الاجتهاد في البعض كما تكرّر نظيره منه في الأصل السابق ، لا أنّ المراد به تعميم الحكم بالقياس إلى المطلق والمتجزّي.
فما في كلام بعض المحقّقين ـ وتبعه غيره من الشرّاح ـ من أنّه يحتمل إرادة التعميم بالنسبة إلى مجتهد الكلّ والمتجزّي ليس على ما ينبغي.
ثمّ إنّ تعليلاتهم في جملة من الشروط تقضي بكونها من شروط الوجود كما هو المقطوع به أيضا بحكم الوجدان.
فما في مفاتيح السيّد ـ من الاستدلال على الاشتراط تارة : بأصالة عدم جواز العمل بالظنّ حيث لا يكون عالما بالنحو أو الصرف أو اللغة ، وأصالة عدم جواز تقليد من لم يعلم هذه العلوم. واخرى : بالعمومات المانعة عن العمل بغير العلم خرج منها ظنّ العالم بها بالدليل ، ولا دليل على خروج غيره فيبقى مندرجا تحتها ـ ليس بسديد ، لأنّ ذلك إنّما يستقيم إذا كانت العلوم المذكورة شروطا للصحّة والمفروض خلافه.
ومن هنا صار بعض المحقّقين ـ على ما في محكيّ المصنّف ـ إلى منع كون علم الكلام من هذه الجملة ، تعليلا بأنّه من لوازم الاجتهاد وتوابعه لا من مقدّماته وشرائطه ، واستحسنه المصنّف.
ووجه كونه من اللوازم والتوابع : أنّ الاجتهاد المتضمّن للنظر في الأدلّة الشرعيّة المتعارفة إنّما لفائدة التديّن بالمجتهدات ، فلا يتأتّى في الخارج عادة إلاّ ممّن يعتقد حقّية هذه الشريعة ، وهو يستلزم الإذعان بوجود الصانع وتنزّهه عمّا يمتنع عليه ، والإذعان بثبوت الشرائع الّتي منها هذه الشريعة المستلزم للإذعان بحقّيّة الأنبياء الّذين منهم نبيّنا صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فلا يتأتّى بحسب الخارج من منكري الصانع ولا من منكري الشرائع ولا من منكري هذا الشرع بالخصوص ، لا لانتفاء ما هو من مقدّمات وجوده في حقّهم بل لانتفاء ما هو من فوائده وغاياته التابعة له.
__________________
(١) كذا في الأصل.