المسائل تعارض الدلالات المنصوبة من قبله تعالى في نظره ، وأنّ حكم الله في حقّه وحقّ مقلّديه ما دام كذلك التخيير.
والعجب كلّ العجب من متأخّري أصحابنا حيث قالوا بهذه المقدّمات مع أنّه تواترت الأخبار عن الأئمّة الأطهار ببطلانها ، فإنّها [ صريحة ] في أنّ له تعالى في كلّ واقعة خطابا صريحا قطعيّا خاليا عن المعارض ، وفي أنّ كثيرا منها مخفيّ عندهم عليهمالسلام ، وفي أنّه يجب التوقّف في كلّ واقعة لم نعلم حكمها.
وممّن تفطّن بتعذّر المجتهد المطلق الآمدي من الشافعيّة ، وصدر الشريعة من الحنفيّة مع كثرة طرق الاستنباطات الظنّية عندهم ، فالعجب كلّ العجب من إماميّ يزعم عدم تعذّره مع قلّة طرق الاستنباطات الظنّية عنده » انتهى (١).
وهذا الكلام كما ترى من صدره إلى ذيله مختلّ النظام ، ووجوه الإيراد على فقراته كثيرة تظهر بالتأمّل ، لكنّ الّذي يتعلّق منها بمحلّ الكلام هو أن يقال : إنّ تعذّر الاجتهاد المطلق إن اريد به تعذّر العلم أو الظنّ في كلّ واقعة من أوّل الوقائع الّتي عيّن لها بحسب الواقع أحكام إلى آخرها فهو حقّ لا ينكره أحد ولا يقول أحد من الإماميّين بعدم تعذّر ذلك ، غير أنّ الاجتهاد الّذي عليه بناء عملهم قديما وحديثا ليس مقصورا على هذا الفرض ، لما تقدّم من اعترافهم بأنّه قد يفضي إلى القطع وقد يفضي إلى الظنّ كما هو الغالب ، وقد يفضي إلى الأخذ بمقتضى الاصول العامّة العمليّة التعبّديّة الّتي هي المرجع بعد تعذّر الوصول إلى الواقع علما أو ظنّا.
وإن اريد به تعذّره مطلقا حتّى بالقياس إلى مواضع التعبّد من الاصول وغيرها فهو كذب وفرية ، كيف ولا يخلو واقعة اجتهاديّة إلاّ وأنّ المجتهد على تقدير اجتهاده فيها يصل إلى حكمها الواقعي علما أو ظنّا إن أصابه فيها دليل اجتهادي معتبر واضح الدلالة خال من المعارض الّذي عجز عن علاجه ، أو حكمها الظاهري المستفاد من الأسباب التعبّديّة من الاصول العامّة ، والّذي يقول الإمامي وغيره بعدم تعذّره هو الاجتهاد بهذا المعنى.
والحاصل : أنّ الّذي يتعذّر الوصول إليه في جميع المسائل إنّما هو الحكم الواقعي المثبت في كلّ واقعة ، وهو لا يقضي بتعذّر الوصول إلى الحكم الفعلي الثابت في كلّ واقعة الّذي هو
__________________
(١) الفوائد المدنيّة : ٢٦١.