في كتب الاصول وغيرها محلّ للنزاع الآتي في بحث التجزّي في الاجتهاد وإن قصر عنه جملة من أدلّتهم كما ستعرف ، بناء على أنّ حصول الفعليّة غير معتبر في نظر من يجوّز التجزّي في الاجتهاد كما يقتضيه إطلاقهم بإمكان تجزّي الملكة.
وسيلحقك زيادة بيان في ذلك عند البحث في مسألة التجزّي.
وأمّا الصور الثلاث الباقية وهي فعليّة الجميع مع ملكة البعض ، أو معرّاة عنها بالمرّة ، وفعليّة البعض معرّاة عنها أيضا فهي خارجة عن موضوع الاجتهاد المطلق ، كما أنّها خارجة عن موضع النزاع في مسألة التجزّي ، لظهور اتّفاقهم على امتناع الجميع كما يقتضيه إطلاقهم بتوقّف الاجتهاد باعتبار الفعل عليه باعتبار الملكة.
وأمّا الاجتهاد المطلق فظاهرهم الاتّفاق على إمكانه في جميع صوره الثلاث ، وإن كان إيرادهم المعروف على حدّ « الفقه » المتقدّم في محلّه بعدم انعكاس الحدّ لو اريد بالأحكام جميعها يومئ إلى وجود القول بعدم إمكان الصورة الاولى منها أو عدم وقوعها أو ندرتها ، ولم نقف من الاصوليّين ولا غيرهم من العامّة والخاصّة على من جزم بتعذّره إلاّ بعض الأخباريّة بالقياس إلى الصورة الاولى كالأمين الاسترآبادي في فوائده المدنيّة ، حيث إنّه بعد ما أبطل طريقة المجتهدين على ما زعمه وأثبت طريقة الأخباريّين بما ستقف على ضعفه وفساده عقد فصلا على حدة في إثبات تعذّر المجتهد المطلق ، وقال : « الفصل الثالث : في إثبات تعذّر المجتهد المطلق.
أقول : بعد ما أحطت خبرا بالآيات والروايات المتقدّمة لم يبق مجال للمجتهد المطلق ، ونزيدك بيانا فنقول : في كثير من الوقائع لا يجري التمسّك بالبراءة الأصليّة ولا بالاستصحاب ، ولا تفي بها عمومات الكتاب ولا عمومات السنّة ولا إجماع هناك ، ومن أمثلة ذلك دية عين الدابّة كما مرّ من أنّ بعد العلم باشتغال الذمّة والحيرة في القدر المبرئ للذمّة لا تجري البراءة الأصليّة وغيرها.
فإن قلت : كيف يزعم عاقل تحقّق المجتهد المطلق مع كون كتب الخاصّة والعامّة مشحونة بقول الفقهاء : « وفيه تردّد » وما أشبهه من العبارات؟
قلت : زعمهم ذلك مبنيّ على مقدّمات تقدّمت وهي : أنّ الله تبارك وتعالى نصب دلالات ظنّية على المسائل الاجتهاديّة لا القطعيّة ، وأنّه ليس شيء من الدلالات المنصوبة من قبله تعالى مخفيّا عند أحد بحيث يتعذّر تحصيلها بالتتبّع ، وإنّ سبب تردّد الفقيه في بعض