وثانيا : بطلان توهّم الإطلاق في هذا المقام ، حيث إنّ الغرض الأصلي عند اختيار القولين ونظائرهما في سائر الموارد إنّما هوبيان أصل الحكم لموضوع محرز بالفرض أو معيّن بحسب الواقع من دون نظر إلى تفاصيل ما يعتبر في ذلك الموضوع وما لا يعتبر ، فالقضيّة حينئذ بالقياس إلى موضوعها مأخوذة على وجه الإهمال والإجمال لا على سبيل الإطلاق والبيان ، فلا ينافيها التعرّض للبيان في غير مقام بيان أصل الحكم كما في سائر القضايا بالقياس إلى موضوعاتها الّتي تبيّن في غير مقام البحث عن أحكامها متقدّما أو متأخّرا.
وثالثا : أنّا في صدد تحقيق المسألة حسبما يقتضيه النظر ويساعد عليه القاعدة ، فلا جرم نختار أحد القولين ولا نطلقه بل نخصّصه بواجدي الشروط الّتي منها هذه الملكة الخاصّة أو مطلق الملكة ، فإن اخترنا القول بفرض الكفاية فلازمه سقوط الفرض بقيام من قام به الكفاية عن الآخرين ظاهرا وواقعا لو كانوا واجدين للشروط واقعا ، أو ظاهرا فقط لو كانوا فاقدين لها واقعا ، فلا محذور.
وإن اخترنا القول بفرض العين فلازمه وجوب الإقدام على كلّ مكلّف احتمل في حقّه حصول الشروط تحصيلا لمقدّمات وجود الواجب المطلق على حدّ سائر الواجبات المطلقة بالقياس إلى مقدّماتها الوجوديّة ، نظرا إلى أنّ شروط الاجتهاد كلّها حسبما تقدّم مقدّمات وجوديّة صرفة.
ولا يقدح فيه قيام احتمال عدم اتّفاق حصولها كلاّ أم بعضا بطروّ العذر ، أو تبيّن مصادفة عدم التمكّن أخذا بظاهر الحال وغلبة السلامة المستتبعة لاتّفاق حصول المقدّمات ، كما هو الحال في طيّ مسافة الحجّ المحكوم بوجوبه ظاهرا على المستطيع شرعا في العام الأوّل من الاستطاعة مع اطّراد قيام احتمال عدم اتّفاق الوصول لعذر طار.
غاية ما هنالك أنّه إذا تبيّن في الأثناء تعذّر الحصول وعدم التمكّن من الوصول انكشف عدم شمول الخطاب من أوّل الأمر قضيّة لعدم جواز الأمر مع علم الآمر بانتفاء الشرط ، فيكون حال هذا المكلّف كغيره من الغير المتمكّنين من بدو الأمر ، فيحكم عليه حينئذ بحكمه المقرّر عند أهل هذا القول.
وإن أراد به أنّ مصيرهم إلى اختيار أحد القولين مع انضمام علمهم العياني بأنّ كثيرا من الناس ليس لهم تلك الملكة يقوم مقام التصريح بعدم اعتبارها في الاجتهاد أصلا.