أمر يرجع إلى مقام الحجّية والاعتبار.
نعم لا يبعد القول بأنّه يستحيل للكافر استفادة المطلب من الأدلّة اللبّية كالإجماع والعقل وغيرهما ، لابتناء دلالة الأوّل على الكشف وهو مع إنكار المنكشف محال والعقل لا يدرك ما ينكر ثبوته ، بخلاف الأدلّة اللفظيّة بالقياس إلى مداليلها الّتي لا مدخل لآحاد اللافظين وخصوصيّاتهم في إفاداتها ، ولا لكون الشارع ومن بحكمه لافظها.
هذا مع إمكان منع استحالة الاستفادة في الإجماع والعقل أيضا بتقريب : أنّ الإجماع يكشف عن رأي الرئيس ولو مع إنكار شارعيّته أو عدم الإذعان بكونه معصوما بسبب إنكار النبيّ والوصيّ ، والعقل يدرك حسن الأشياء وقبحها الملزومين للمحبوبيّة والمبغوضيّة لكلّ عاقل حتّى رئيس الأئمّة (١) وهذا يجامع مع إنكار كونه شارعا.
هذا ولكنّ الإنصاف : أنّ القول بكون المعارف الحقّة من شروط تحقّق الاجتهاد لا حكمه فقط قويّ ، وذلك لأنّ اصطلاحهم في الاجتهاد لمّا انعقد بجعل استفراغ الوسع ـ المأخوذ في مفهومه ـ مقيّدا بالظنّ بالحكم الشرعي ، فهو يتوقّف لا محالة على الشرط المذكور باعتبار قيده ولو في الأدلّة اللفظيّة ، فإنّ مفاد القيد بعد اعتبار التقييد إنّما هو الظنّ بالشيء على أنّه حكم شرعي.
ولا ريب أنّ الظنّ بمؤدّيات الأدلّة ـ ولو لفظيّة ـ على أنّها أحكام شرعيّة لا يتأتّى ممّن لا يعتقد وجود الصانع أو ينكر ثبوت الشرائع أو ينفي خصوص هذا الشرع.
فالقول بالشرطيّة حينئذ متّجه وقائله مستظهر ومنكرها مكابر ، وكونه من شروط الإيمان المتساوي فيه العالم والجاهل لا ينافي كونه من شروط الاجتهاد أيضا إذا كان المنظور من أخذه شرطا نفي تحقّقه عمّن فقده ، فالفاقد له كما أنّه ليس بمؤمن كذلك ليس بمجتهد اصطلاحا ، على معنى تعذّر صدقه عليه وإن جامع الشروط الاخر ، فالتشريك فيه بين العالم والعامي بجعله من شروط الإيمان ممّا لا تعلّق له بهذا المطلب.
لكن لا يذهب عليك أنّ اللازم من البيان المذكور كونه شرطا للاجتهاد الفعلي لا الملكي كما هو واضح.
وإن أخذناه مع ذلك من شروط التفقّه كان الأمر فيه أوضح على ما أشرنا إليه في صدر الباب ، وكما أنّه بهذا الاعتبار من مبادئ الفقه والاجتهاد فكذلك يكون من مبادئ علم اصول الفقه أيضا كما صرّح به جماعة ، معلّلين بأنّ هذا العلم باحث عن طرق الأحكام
__________________
(١) كذا في الأصل والصواب : « رئيس الامّة » كما يقتضيه السياق.