فهمه الشهيد الثاني رحمهالله ، فلم يثبت قول بنفي الشرطيّة إلاّ محكيّ المصنّف الّذي استحسنه.
ومن الأعلام من وافقه على أصل المطلب وإن خالفه في وجهه ، حيث قال : « والتحقيق أنّ العلم بالمعارف الخمسة واليقين بها لا دخل له في حقيقة الفقه.
نعم هو شرط لجواز العمل بفقهه وتقليده ، فإذا فرض أنّ كافرا عالما استفرغ وسعه في الأدلّة على ما هي عليه واستقرّ رأيه على شيء على فرض صحّة هذا الدين ، ثمّ آمن وتاب وقطع بأنّه لم يقصّر في استفراغ وسعه شيئا فيجوز العمل بما فهمه.
ولا ريب أنّ محض التوبة والإعادة لا يجعل ما فهمه فقها ، بل كان ما فهمه فقها وكان استفراغ وسعه على فرض صحّة المباني » إلى آخره.
وفيه من الضعف ما لا يخفى ، فإنّ الفقاهة بعد تحقّق الاجتهاد وأدائه إلى نبذة من الاعتقاد عنوان لا يتأتّى إلاّ بانضمام كبرى كلّية قطعيّة إلى صغرى يحرزها مقام الاجتهاد ، وظاهر أنّ الكافر ما دام كافرا فاقد لتلك الكلّية ومعه يستحيل صدق « الفقيه » عليه و « الفقه » على علمه.
وتحقيق المقام : أنّ هذا الخلاف راجع إلى أمر لفظي ، إذ لو فسّر الاجتهاد باستفراغ الوسع في تحصل الظنّ بمؤدّيات الأدلّة المتعارفة في الجملة على فرض قصر النظر عمّا بين الأدلّة المتعارفة على الكتاب والسنّة من حيث إنّهما من الأدلّة اللفظيّة المبنيّة على الدلالات العرفيّة ، اتّجه القول بعدم الشرطيّة ، فإنّ الاستدلال بالأدلّة اللفظيّة بعد الإحاطة بالشروط المحرزة للدلالة ومعالجة المعارضات منوط بملاحظة مداليلها الثابتة لها بمقتضى أوضاعها اللغويّة أو العرفيّة وظهوراتها الأوّلية أو الثانويّة من غير مدخل لخصوص متكلّم دون آخر فيه.
ولا ريب أنّ الألفاظ ـ كتابيّة وغيرها ـ إذا اخذت بهذا الاعتبار ولا بشرط ملاحظة قائلها الخاصّ أفادت للناظر فيها مداليلها ـ باعتبار أنّها صالحة لأن تكون مرادة لقائليها ـ إفادة ظنّية بل جزميّة في بعض الأحيان ، وإن كان الناظر كافرا بل منكرا للصانع والشرائع أو خصوص هذا الشرع.
وتوهّم أنّ الدلالة المثبتة للحكم في الألفاظ عبارة عن فهم المطلب على أنّه مراد للافظها ، وهذه في ألفاظ الكتاب والسنّة لا تحرز إلاّ بعد إحراز صدورها من الشارع بالمعنى الأعمّ من الله سبحانه والنبيّ والوصيّ ، ولا يحرز ذلك إلاّ بعد إثبات الشارع والشرع.
يدفعه : أنّ حصول الدلالة بهذا المعنى إنّما يقتضي وجود لافظ لتلك الألفاظ ، والكافر يعتقد لا محالة أنّ لها لافظا فيفهم مداليلها على أنّها مرادات لذلك اللافظ ، وأمّا أنّه هو الشارع أو النبيّ أو الوصيّ أو غيرهما فممّا لا مدخليّة له في حصول هذه الدلالة ، بل هو