ثمّ إنّ الجعل الموضوعي كما يمكن فرضه مع خلوّ الواقعة عن الحكم بالنسبة إلى الجاهل رأسا ، كذلك يمكن فرضه مع اشتمال الواقعة على حكم مجعول مشترك بين العالم والجاهل متوقّف فعليّته بالنسبة إلى الجاهل على العلم أو تمكّنه من العلم منه ، فمن لم يعلم ولم يتمكّن من العلم به إذا عثر على الأمارة القائمة بها أثّر ذلك في حدوث حكم له في الواقع مغائر للحكم الأوّل المشترك بينه وبين العالم به.
والفرق بين الاعتبارين ـ مع اشتراكهما في كون الحكم الواقعي بالنسبة إلى الجاهل بحكم العالمين تابعا لقيام الأمارة ـ أنّ المنتفي عن الجاهل على الأوّل مع قطع النظر عن الأمارة أصل جعل حكم آخر ، وعلى الثاني فعليّة الحكم المجعول.
والّذي ينطبق منهما على القول بالتصويب بالمعنى المتقدّم المبنيّ على إنكار وجود حكم معيّن في الواقعة قبل اجتهاد المجتهد إنّما هو الوجه الأوّل دون الثاني ، وهل هو قسم آخر من التصويب أو هو نحو من التخطئة لم نقف في كلامهم على نصّ في ذلك ، غير أنّ الّذي ينبغي أن يقطع به عدم اندراجه في القول بالتخطئة ، لابتنائه على وحدة حكم الله الواقعي في كلّ واقعة وعدم كونه تابعا للأمارات والآراء الناشئة منها ، فهو بالتصويب أشبه.
وهل هو من التصويب الباطل فيه خلاف على ما يظهر من بعض كلمات أصحابنا.
فإنّ منها ما يظهر منه اختيار الصحّة كالمحكيّ عن العلاّمة في النهاية تبعا للشيخ في العدّة من قوله : « إنّ الفعل الشرعي إنّما يجب لكونه مصلحة ، ولا يمتنع أن يكون مصلحة إذا فعلناه ونحن على صفة مخصوصة ، وكوننا ظانّين بصدق الراوي صفة من صفاتنا ، فدخلت في جملة أحوالنا الّتي يجوز كون الفعل عندها مصلحة » انتهى.
وهذا بإطلاقه وإن كان يعمّ الوجهين ، إلاّ أنّ إجماع أصحابنا على بطلان التصويب بالمعنى المتقدّم يوجب صرفه عن الوجه الأوّل إلى الثاني ، وإليه أيضا يمكن إرجاع ما ذكره العلاّمة في التهذيب وغيره في غيره في دفع الإشكال المعروف الوارد على تعريف الفقه ـ من أنّ الظنّ في طريق الحكم ، وظنّية الطريق لا ينافي قطعيّة الحكم ـ على أحد وجوهه من كون المراد بالحكم المتكرّر هو الحكم الواقعي ، ومن ظنّية الطريق كون دليله مفيدا للظنّ به ، وقضيّة الفرض اعتبار الظنّ في الأمارات المفيدة له على وجه الموضوعيّة.
ومنه ما يظهر منه اختيار البطلان كعبارة المصنّف في تعريف الفقه حيث ضعّف ما عرفته عن العلاّمة بعد ما نقله بقوله : « ضعفه ظاهر عندنا ، وأمّا عند المصوّبة القائلين بأنّ كلّ مجتهد