وتأدّي نظر المجتهد إلى مؤدّاها [ يؤثّر ] في حدوث [ حكم ] واقعي مطابق لمؤدّاها للجاهل بحكم العالمين به ، سواء وافق ذلك الحكم أو خالفه مع فرض خلوّه عن الحكم الواقعي بالنسبة إليه مع قطع النظر عن قيام الأمارة ، بل ما لم ينظر فيها المجتهد أو لم يتأدّ نظره إلى شيء ، بأن يكون الحكم للواقعة من غير جهة الأمارة مختصّا بالعالمين أو المتمكّنين من العلم به ، وهذا هو المعنى المعهود من التصويب المعروف من المصوّبة كما تقدّم بيانه.
فمبنى القول بالتصويب على الالتزام بالجعل الموضوعي في الأمارات ، وعليه ينطبق القول بأنّ العلم والجهل من الوجوه والاعتبارات المغيّرة للأحكام الواقعيّة عند بعض من يرى الحسن والقبح بالوجوه والاعتبارات ، إذ المراد به أنّ الجهل بالحكم الواقعي المجعول للعالمين به المقرون بقيام الأمارة بالواقعة للجاهل الناظر فيها يوجب جعل مؤدّاها حكما واقعيّا له مغايرا لحكم العالمين به في محلّ المخالفة.
والمراد بالجعل المتوسّط بين القسمين الأوّلين هو أن يعتبر الأمارة بإيجاب العمل على طبقها ـ على معنى تطبيق الحركات والسكنات الخارجيّة عليها ـ والالتزام بمؤدّاها وترتيب الآثار عليه على أنّه هو الحكم الواقعي ، مع اشتماله على مصلحة يتدارك بها ما يفوت عن المكلّف على تقدير المخالفة من مصلحة الواقع من دون أن يؤثّر قيامها على هذا التقدير في حدوث مصلحة ولا حكم في نفس الفعل.
وهذا يفارق الجعل الطريقي في ملاحظة مصلحة في العمل على طبق الأمارة يتدارك بها مصلحة الواقع على تقدير فواتها ، والجعل الموضوعي في عدم تأثير قيامها بالفعل في حدوث مصلحة ولا حكم فيه ، وهو الصحيح من أقسام الجعل الموافق للشرع والاعتبار العقلي من حيث عدم استلزامه محذور نقض الغرض ولا التصويب.
وملخّص هذا الاعتبار : أنّ الفعل له بنفسه ومع قطع النظر عن الأمارة القائمة به حكم ناش عن صفة كامنة فيه غير مرتبطة بالأمارة وجودا وعدما ، غير أنّ الشارع أمرنا بالبناء عليها والأخذ بمؤدّاها على أنّه هو الواقع بعينه ، مع تضمّن ذلك البناء في صورة المخالفة مصلحة يتدارك بها المصلحة الواقعيّة الفائتة من غير أن يحدث بسببها مصلحة ولا حكم في نفس الفعل.
قيل : إنّ هذا هو الّذي يقول به المخطّئة والفرق بينه وبين الجعل الموضوعي يظهر في الإجزاء وعدمه عند تبيّن مخالفة الأمارة للواقع.