أمّا النوع الأوّل : فهي خارجة عن موضوع مسألة التخطئة والتصويب ، لاتّفاق الفريقين على أنّ لله تعالى في كلّ واقعة من مواردها حكما معيّنا من أصابه أصاب ومن لم يصبه أخطأ ، والمخطئ آثم غير معذور ، ووجه الإثم : أنّه مع تحقّق الشرطين مقصّر في خطائه ، والخطأ إذ كان عن تقصير ليس عذرا فيكون بمنزلة ترك امتثال أحكام الله الفعليّة بلا عذر بعد تنجّزها ، بناء على ما ذكرناه في غير موضع من كفاية العلم الإجمالي مع التمكّن من العلم التفصيلي في تنجّز التكليف.
وأمّا النوع الثاني : فهو القدر المتيقّن ممّا اندرج في موضوع المسألة ولكن على بعض وجوهه لا مطلقا.
وتوضيح ذلك : أنّ اعتبار الأمارات الغير العلميّة وجواز التعويل عليها والعمل بها يحتاج إلى جعل الشارع ، وهو يتصوّر من وجوه ثلاث : الجعل الطريقي ، والجعل الموضوعي ، والمتوسّط بينهما.
والمراد بالأوّل أن يعتبر الأمارة بتجويز العمل بها أو إيجابه لمجرّد كونها كاشفة عن الواقع كشفا ظنّيا من غير أن يلاحظ فيها مصلحة سوى كشفها الظنّي عن الواقع ، وهذا على فرض تحقّقه من لوازم القول بالتخطئة.
وأمّا جواز نحو هذا الجعل وعدمه ففيه تفصيل بين صوره المتصوّرة من كون الأمارة في علم الله تعالى دائم المصادفة للواقع ، أو غالب المصادفة له ، أو أغلب مصادفة بالنظر إلى الطرق العلميّة المفروض وجودها ، بناء على كون المراد بها ما يفيد القطع بالواقع وإن خالفه لا خصوص العلم فيوجد فيها أيضا ما خالف الواقع مع فرض كونها أقلّ مصادفة له ، فالجعل الطريقي إن فرض مع وجود الطرق العلميّة ووفورها كما في صورة انفتاح باب العلم صحّ على الوجه الأوّل والأخير دون الوجه الثاني مع دوام المصادفة في الطرق العلميّة ، لأنّ جعل الأمارة طريقا مع ما يتحقّق فيها من مخالفة الواقع ـ ولو في الفروض النادرة ـ تفويت لمصلحة الواقع على المكلّف ، وهو مناف للحكمة من جهة أوله إلى نقض الغرض من جعل الحكم الواقعي وهو إيصال المكلّف إلى المصالح الواقعيّة.
وإن فرض مع فقدها أو قلّة وجودها صحّ على الوجهين الأوّلين دون الوجه الأخير لكونه خلاف الفرض.
والمراد بالجعل الموضوعي أن يعتبر الأمارة الظنّية القائمة بالفعل ـ لأنّ قيامها به ـ