حيث الجعل ، فإنّه ممّا لا قاضي به من العقل والنقل ، بل غاية ما يساعد عليه العقل باعتبار قبح تكليف الغافل وإلزام الجاهل إنّما هو منع فعليّة المجعول وتعلّقه بالجاهل بحيث يصير تكليفا فعليّا عليه ، وهو لا يقتضي منع شمول أصل الجعل وتساوي نسبة (١) المجعول إلى كلّ مكلّف.
بل نقول : إنّ من الجائز عقلا أنّ الشارع جعل لكلّ واقعة بمقتضى الصفة الكامنة فيها حكما مشتركا يتساوى نسبته إلى كلّ مكلّف ، مشروط تعلّقه ـ الّذي عليه مدار فعليّة الحكم الفعلي بكلّ مكلّف ـ بعلمه به ، فمن علم به تعلّق به ومن جهله لم يتعلّق به مع وجوده في الواقع باعتبار كونه مجعولا ، وهذا هو معنى اختصاص الحكم الواقعي بالعالمين به لا أنّ جعله يختصّ بهم.
كيف وأنّه لا يتأتّى باعتبار الجعل إلاّ بتقييد وأخذ قيد في موضوعه والأصل ينفيه ، مع أنّه خلاف مقتضى أدلّة الاشتراك في التكليف.
نعم يبقى الكلام ـ بعد نفي تعلّق الحكم الواقعي المتعلّق بالعالمين به بالجاهل ـ في أنّ قيام الأمارة بالواقعة للجاهل الناظر فيها المتؤدّي اجتهاده إلى مؤدّاها هل أثّر في حدوث ذلك المؤدّى حكما واقعيّا في حقّه؟ وهل الشارع جعله بعد تأدّي اعتقاده إليه حكما واقعيّا له خاصّة أو لا؟
وهذا أيضا لم ينهض به برهان ولم يشهد له شاهد من عقل ولا نقل ، فالأصل ينفيه.
منها : ما ذكره الفاضل المتقدّم من : « أنّه لو أصاب كلّ مجتهد لزم الجمع بين المتنافيين وهو قطعه بالحكم ما دام ظانّا ، والظنّ والقطع متنافيان لا يتواردان على محلّ واحد ، ولا يلزم ذلك على المخطّئة لتغاير المحلّ عندهم ، إذ مورد الظنّ نفس الحكم ومورد القطع وجوب البناء عليه ، أو مورد الظنّ الحكم الواقعي ومورد القطع الحكم الظاهري ».
وفيه : منع الملازمة على التصويب أيضا بتغاير محلّيهما على ما قدّمناه من أنّ المقطوع به إنّما هو الحكم الواقعي المتعلّق بالمكلّف وهو مصداق الوجوب مثلا بالمعنى الإنشائي المتعلّق بالمكلّف ، والمظنون أحد الامور الثلاث من مفهوم الوجوب ، وما يصير حكما بجعل لاحق ، وحكم العالمين به.
ومنها : ما في تهذيب العلاّمة من « أنّ إحدى الأمارتين إن ترجّحت على الاخرى تعيّنت للعمل والمخالف لها مخطئ ، وإن لم تترجّح كان اعتقاد كلّ واحد من المجتهدين
__________________
(١) وفي الأصل : « نسبته » والصواب ما أثبتناه في المتن.