ثمّ الظاهر بالنظر إلى إطلاق ما تقدّم من الإجماع المنقول عدم الفرق في وجوب عدول المقلّد إلى الفتوى الثانية بين ما لو كان رجوع المجتهد إليها على سبيل القطع أو على سبيل الظنّ ، بل ينبغي القطع بذلك لبطلان الفتوى الاولى وخروجها عن كونها حكما فعليّا بالرجوع فلا يجوز البقاء عليها مطلقا ، خلافا لكاشف الغطاء فجعل العدول في الثاني أقوى مؤذنا بأنّ فيه وجها لعدم العدول ، قائلا ـ على ما حكي ـ : « وإن علم عدوله عن حكم مخصوص بطريق علمي عدل عمّا كان عليه أوّلا إلى ما صار إليه أخيرا ، وإن كان ظنّيا كان الأقوى ذلك أيضا » انتهى.
وفي كلام بعض الأفاضل ـ بعد المناقشة فيه بنحو ما ذكرناه ـ : « فالوجه المقابل للأقوى ضعيف جدّا ».
وهل يجب على المفتي بعد رجوعه إعلام من قلّده برجوعه إذا كان غافلا أو غير عالم به؟ وجهان بل قولان عزى أوّلهما إلى ظاهر العلاّمة في غير واحد من كتبه.
وثانيهما إلى ظاهر المحقّق والعميدي ، حيث إنّ الأوّل جعل التعريف أولى والثاني جعله أليق.
والمنقول من حجّة القول الأوّل وجهان :
أحدهما : أنّ المقلّد إنّما عمل في المسألة بقول المفتي والمفروض رجوعه عنه فلو استمرّ لبقي عاملا من غير دليل ولا فتوى مفت.
وفيه ـ بعد ملاحظة استناد عمل المقلّد في ابتدائه إلى فتوى المفتي ، وفي الاستمرار عليه إلى الاستصحاب وأصالة عدم الرجوع كما هو الحال فيما لو شكّ المقلّد في رجوع المفتي ـ منع واضح مع فرض كون نحو هذا الاستصحاب حجّة في حقّه.
وثانيهما : ما روي عن ابن مسعود أنّه كان يقول باشتراط الدخول في تحريم امّ الزوجة فلقى أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وذاكرهم فكرهوا ، فرجع ابن مسعود إلى من أفتاه بذلك ، قال : سألت أصحابي فكرهوا.
وفيه أوّلا : منع أصل الحكاية لبلوغها بواسطة نقل الآحاد.
وثانيا : منع حجّية فعل ابن مسعود.
وثالثا : منع دلالته على الوجوب ، لجواز ابتنائه على ضرب من الاستحباب أو مطلق الرجحان.