نعم لو وجب الاجتهاد في باقي المسائل الغير المجتهد فيها لم يجز التكرار في المسائل المجتهد فيها إلاّ بعد الفراغ من الاجتهاد في باقي المسائل ، ولو كان هناك مسائل لم يجتهد فيها مع عدم قيام المقتضي لوجوبه
فيها فعلا من جهة عدم تحقّق الابتلاء بها بالفعل فالظاهر جواز الأمرين من تكرير الاجتهاد فيما اجتهد فيه وابتداء الاجتهاد فيما لم يجتهد فيه.
ولا يبعد القول بكون الثاني أرجح توطئة وتمهيدا لرفع الحاجة المحتمل طروّها فيما بعد ، لاحتمال حصول الابتلاء بها لأحد من المكلّفين.
وفي المفاتيح أيضا احتمال ترجيحه ، نظرا إلى إطلاق كلامهم في الحكم بوجوب الاجتهاد في باقي المسائل.
ثالثها : إذا جدّد النظر واجتهد ثانيا فإن وافق اجتهاده الأوّل فلا كلام ، وإن أدّى اجتهاده هذا إلى خلاف ما أفتى به أوّلا وجب عليه الرجوع إلى مقتضى اجتهاده الثاني والأخذ به بلا خلاف ، ويجب على مقلّده أيضا إذا عرف منه الرجوع العدول عن تقليده في فتواه الاولى بلا خلاف أيضا ، بل عن شرح المبادئ الإجماع على الحكم في المقامين.
ثمّ إنّ المقلّد على الخيار بين العدول إلى مجتهد آخر موافق لذلك المجتهد في فتواه الاولى ـ ومرجعه إلى البقاء على الالتزام بتلك الفتوى لكن بتقليد آخر ـ والعدول إلى مجتهد آخر أيضا موافق لهذا المجتهد في فتواه الثانية المرجوع إليها ، والعدول إلى الفتوى الثاني لذلك المجتهد.
وبالجملة المقلّد مخيّر بين ثلاث خصال ، ولم يتعيّن عليه العدول إلى الفتوى الثانية الّذي مرجعه إلى البقاء على تقليد ذلك المجتهد في فتواه الثانية ، ولعلّه على ما بيّنّاه من التخيير بين الصور الثلاث ينطبق ما عن شرح المبادئ المدّعى عليه الإجماع المتقدّم إليه الإشارة ، قائلا : « إذا اجتهد في مسألة فأدّاه اجتهاده إلى حكم ثمّ اجتهد ثانيا في تلك المسألة فأدّاه اجتهاده إلى غير ذلك الحكم فإنّه يجب عليه الرجوع إلى ما أدّاه اجتهاده ثانيا إليه إجماعا ، ويجب على المستفتي العمل بما أدّاه إليه اجتهاده ثانيا أو الرجوع عن الأوّل إجماعا ».
وفي بعض النسخ : « والرجوع عن الأوّل » وعليه فظاهر عبارته لا يخلو عن مناقشة ، حيث أفاد تعيّن الأخذ عليه بفتواه الثانية كما فهمه بعض الأفاضل ، ولكنّ الخطب فيه سهل بعد وضوح الحكم وظهور حقيقة المراد من العبارة وإن قصر ظاهرها عن إفادته.