وعلى هذا فالرجوع إلى الرسول مثلا ليس تقليدا له * ، وكذا رجوع العاميّ إلى المفتي لقيام الحجّة في الأوّل بالمعجزة ، وفي الثاني بما سنذكره.
هذا بالنظر إلى أصل الاستعمال ، وإلاّ فلا ريب في تسمية أخذ المقلّد العاميّ بقول المفتي تقليدا في العرف ، وهو ظاهر.
__________________
من إطلاق المقلّد في مقابل المجتهد فهو مبنيّ على إرادة الفقيه من المجتهد ، أو على أنّ المراد من المقلّد من وظيفته التقليد ومن المجتهد من وظيفته الاجتهاد.
وممّن تنبّه على ما استظهرناه من التعريف وعلى جملة ممّا بيّنّاه فخر الإسلام قدسسره فيما حكي عنه من تعريفه التقليد ـ في شرح المبادئ ـ : « بأنّه قبول قول الغير في الأحكام الشرعيّة من غير دليل على خصوصيّة ذلك الحكم ، والقيد الأخير لأنّ المقلّد يستند إلى حجّة وهو : أنّ هذا الحكم قد أفتى به المجتهد وكلّ ما أفتى به المجتهد فهو حقّ ، فإنّ هذه حجّة لكن ترد في جميع الأحكام الّتي يقلّد فيها » انتهى.
وبالجملة هو معنى التقليد عرفا الجاري في جميع المباحث الآتية الّتي منها مسألة التقليد في اصول الدين ، ولا يلزم على هذا المعنى اشتراك ولا تعدّد نقل في اللفظ ، كما يظهر الالتزام به من المصنّف وغيره ممّن تبعه حيث أشكل عليهم الأمر في شيوع إطلاق التقليد على أخذ العامي من المجتهد وكونه على وجه الحقيقة ، فتفصّوا عنه بجعل ما فهموه من التعريف بحسب أصل الاستعمال وهذا بحسب العرف المتأخّر ، ولا خفاء في كونه تكلّفا لا داعي إلى ارتكابه بعد ما ذكره.
ونحوه ما ارتكبه بعض الأعلام حيث إنّه بعد البناء على نحو ما ذكره الجماعة استشكل ـ في قولهم : يجوز التقليد في الفروع ولا يجوز في الاصول ـ : « بأنّه إن اريد به الأخذ بقول الغير من غير حجّة لم يجز فيهما ، وإن اريد الأخذ به مع الحجّة جاز فيهما » ثمّ تفصّى عنه بحمل التقليد هناك على معنى آخر وهو الأخذ بقول الغير مجرّدا عن اعتبار القيدين ، وقد اتّضح أنّ المراد به في المقامين هو الأخذ من غير حجّة بالمعنى الّذي بيّنّاه ولا إشكال معه أصلا.
* تفريع على ما صنعه من إرجاع القيد الأخير إلى العمل وقد اتّضح بطلانه ، وأمّا على ما وجّهناه فوجه خروج الأخذ من الرسول والأئمّة عليه وعليهمالسلام أنّ المأخوذ فيه إنّما هو حكم الله الواقعي المستفاد من قولهم المعبّر عنه بالسنّة وهو بهذا الاعتبار لا يسمّى قول الرسول ولا قول الإمام فيخرج بقيد : « قول الغير » ، ولو سلّم صدق « قول الغير » عليه