بأن يستند إليه الأخذ ويعتمد عليه في أخذه به ، بل كان مستنده والوسط الّذي يحتجّ به في أخذه هو نفس ذلك القول ، حتّى أنّه لو سئل من وجه أخذه وعمله به علّله بقوله : قول فلان ، أو أنّه قال به فلان.
فالفرق بين التقديرين أنّ التعريف على الأوّل لا ينطبق إلاّ على أخذ العامي من مثله وأخذ المجتهد من مثله أو من العامي في الفروع أو الاصول ، ويخرج عنه أخذ العامي من المجتهد في الفروع بل الاصول أيضا على القول بجواز التقليد في اصول الدين لقيام الدليل فيهما على جواز الأخذ ، وعلى الثاني يتناول جميع الأقسام الثمانية ولا يخرج عنه القسمان الأخيران ، فكلّ واحد منها على هذا التقدير تقليد على وجه الحقيقة.
غاية الأمر أنّه في بعضها مشروع وفي الباقي غير مشروع لعدم دليل على جوازه بل قيام الدليل على المنع ، وخرج عنه الأخذ بقول الغير من دليل عليه بالخصوص على وجه يكون مستند الأخذ في أخذه ذلك الدليل لا مجرّد كونه قول الغير ، كما يتّفق للفقهاء في المسائل الخلافيّة حيث يختار المتأخّر منهم قول من تقدّمه لمساعدة دليل عليه ، حيث يصدق على اختياره ذلك القول أنّه أخذ بقول الغير لكنّه لا لكونه قول الغير بل لمساعدة الدليل عليه ، والظاهر أنّ هذا هو الّذي قصد إخراجه من التعريف بالقيد الأخير لعدم كونه من المعرّف بحسب العرف.
ولا ينتقض بأخذ العامي من المجتهد بدعوى أنّ له دليلا عليه وهو الّذي ينتظم عنده من القياس المعبّر عنه : « بأنّ هذا ما أفتى به المفتي ، وكلّما أفتى به المفتي فهو حكم الله في حقّي » لأنّ هذا ليس دليلا على حكم المسألة بالخصوص ممّا يستعمله المجتهد عند استنباطه الحكم الخاصّ منه ، بل هو دليل على اعتبار قول المفتي وحجّيّة فتواه المقتضية لجواز الأخذ به ، ووجه دلالته : أنّه بحكم الكلّية الكبرى يقتضي كون الحكم المفتى به حكما فعليّا على المقلّد يجب الأخذ والالتزام به على أنّه حكم الله الّذي يجب التديّن به ، على أنّ المراد من القول المأخوذ هو الحكم الخاصّ الّذي أفتى به المفتي ، وإطلاق القول عليه في لسان الفقهاء والاصوليّين شائع ، فهذا الدليل العامّ دليل على جواز الأخذ والعمل لا على خصوص الحكم المفتى به.
وممّا يؤيّد جميع ما بيّنّاه أنّ المقلّد يقال على ما قابل الفقيه الّذي هو عبارة عن الآخذ بالأحكام من الأدلّة التفصيليّة ، فالمقلّد هو الّذي يأخذ في المسائل بالأحكام من غير دليل تفصيلي في كلّ مسألة مسألة يدلّ على حكم المسألة بالخصوص ، وما يتراءى في كلماتهم