العمل بالاحتياط عقلا لتعذّره ، أو شرعا لأدائه إلى العسر والحرج العظيم الّذي لا يتحمّل مثله عادة ، أو للإجماع بل الضرورة على أنّه ليس مبنى امتثال أحكام الله المعلومة بالإجمال في الشريعة على طريقة الاحتياط على التعيين ـ لا يحكم بتعيّن الظنّ أو غيره أوّلا وبالذات ، بل إنّما يحكم بتعيّن العمل بما هو أقرب إلى الامتثال العلمي تفصيلا أو إجمالا ممّا لا يستتبع محذوريهما ولا محذور آخر ، وإنّما صار نتيجته للمجتهد العمل بالظنّ لأنّ الأقرب إلى الامتثال العلمي في حقّ المجتهد هو الامتثال الاجتهادي المبنيّ على الأخذ بالظنون الاجتهاديّة ، ومرجعه إلى الأخذ بالمظنونات على أنّها أحكام فعليّة يجب بناء العمل وترتيب آثار الواقع عليها.
ولا ريب أنّ الأقرب إلى الامتثال العلمي بكلا قسميه بعد تعذّره وتعذّر الامتثال الاجتهادي في حقّ المقلّد هو الامتثال التقليدي المبنيّ على العمل بفتاوى المجتهد ، ومرجعه إلى الأخذ بالأحكام المفتى بها في امتثال أحكام الله المعلومة بالإجمال على أنّها أحكام فعليّة يجب بناء العمل وترتيب آثار الواقع عليها.
وهذا كما ترى ممّا لا مدخل لظنّ المقلّد فيه أصلا ولا نظر للعقل في حكمه بتعيّنه إلى اعتبار حصول ظنّ له.
بل نقول : إنّ الأحكام المفتى بها بالنسبة إلى المقلّد هي بعينها المظنونات بالظنون الاجتهاديّة بالنسبة إلى المجتهد ، وكما أنّ المجتهد لا يعتبر في عمله أزيد من علمه بمظنوناته الحاصل له باجتهاده ، فكذلك المقلّد لا يعتبر في عمله أزيد من علمه بمظنونات مجتهده الحاصل له بالإفتاء.
وقضيّة ذلك أن يكون وجه اعتبار الأحكام المفتى بها لعمل المقلّد هو وجه اعتبار تلك الأحكام في عمل المجتهد بعينه ، وهو كونها مظنوناته ومؤدّيات اجتهاده الّتي دلّ القاطع من العقل والشرع على كونها أحكاما فعليّة يجب عليهما بناء العمل عليها وترتيب آثار الواقع عليها ، كما يشير إليه القياس المنتظم لعمل المجتهد بظنّه في كلّ مسألة ، المقرّر في كلامهم من غير خلاف : « بأنّ هذا ما أدّى إليه اجتهادي ، وكلّ ما أدّى إليه اجتهادي فهو حكم الله في حقّي وحقّ مقلّدي » حيث أخذ المجتهد والمقلّد معا في جانب الأكبر ، ومرجعه إلى كونهما معا موضوعين لحكم الله الفعلي.
وبالجملة كون مظنونات المجتهد ومؤدّيات اجتهاده أحكام الله الفعليّة نسبته واحدة