بحجّية ظنّه ومؤدّى اجتهاده المعبّر عنها : « بأنّ كلّما أدّى إليه اجتهادي فهو حكم الله في حقّي » فإنّها في اقتضاء المنع من التقليد من القضايا الّتي قياساتها معها ، ضرورة أنّ كون مؤدّى اجتهاده حكم الله في حقّه معناه وجوب بناء العمل عليه وحرمة مخالفته ، والرجوع إلى الغير في محلّ الخلاف مخالفة وطرح له فيكون حراما.
وإن كان متجزّيا فلا إجماع على منع التقليد فيه كما لا إجماع على جواز عمله بظنّ نفسه لمكان الخلاف ، غير أنّ الأقوى جواز العمل له بظنّه لكونه أقرب إلى الواقع بالقياس إلى ظنّ غيره ، وقد يعلّل بأنّه عمل عن معرفة والتقليد عمل لا عن معرفة.
ولا ريب في رجحان الأوّل وحسنه في نظر العقل ، كحسن تحصيل ملكة الاستنباط فيمن يقدر عليه وهو مردّد بينه وبين التقليد.
ولا خفاء في ضعفه ، لأنّ حسن العمل عن معرفة إنّما يسلّم في العمل المشروع ، وما شكّ في مشروعيّته لا حسن فيه بل العقل مستقلّ بقبحه كما يظهر بأدنى تأمّل.
هذا إذا كان الناظر في حكم المتجزّي غيره من العلماء الأزكياء وأمّا إذا كان الناظر هو المتجزّي نفسه لاستعلام حكمه فلمّا كان أمره دائرا بين المحذورين حرمة التقليد وحرمة العمل بالظنّ ـ لاندراجه في كلّ من عمومات المنع من التقليد وعمومات المنع من العمل بالظنّ بل منع العمل بما وراء العلم ـ فالمتعيّن في حقّه اتّباع العلم وانتهاء عمله إليه في المسألة الفرعيّة أو الاصوليّة أو العمل بالاحتياط ولا محيص له عن أحد هذه الامور ، فإن أدّى اجتهاده في المسألة الفرعيّة إلى العلم بالحكم الواقعي فلا إشكال ، وإلاّ تأمّل في المسألة الاصوليّة فإن وصل إلى قاطع يقضي بجواز بنائه على ظنّه وأخذه بمؤدّى اجتهاده أو بجواز رجوعه إلى غيره فلا إشكال أيضا ، وإلاّ فلا مناص له من العمل بالاحتياط ، وإن كان لم يجتهد فعلا أصلا ففي جواز التقليد له أو وجوب العمل بالاحتياط خلاف.
والتحقيق هنا أيضا أنّ الحكم الواقعي في حقّه أحد الأمرين من الاجتهاد والعمل بمؤدّاه أو الأخذ بالاحتياط بعد معرفته ومعرفة موارده ، ولا يسوغ له العدول إلى التقليد لعموم أدلّة منعه وحرمته واستقلال العقل برجحان الاجتهاد وحسنه.
هذا إذا أمكنه الاجتهاد ، وأمّا إذا لم يمكنه لضيق وقت أو فقد كتب أو مانع آخر فمقتضى الأصل والقاعدة تعيّن العمل بالاحتياط وعدم جواز التقليد له ، لكن ظاهر العلماء هنا جواز التقليد وعدم وجوب الاحتياط لعدم كونه ممّا أوجب الشارع سلوكه بعينه في امتثال أحكامه.