بالإتيان بما يوافق الواقع تكليف بالمحال ، وأنّه لا معنى محصّل لموافقة الواقع فهل المراد به حكم الله الّذي لا يطّلع عليه إلاّ الله تعالى ، أو ما وافق رأي المجتهد الّذي في ذلك البلد أو أحد المجتهدين ، وما الدليل على تعيين شيء من ذلك؟ وحكم المجتهد بعد اطّلاعه بالموافقة وعدم الموافقة أيّ فائدة فيه لما فعله قبل ذلك إلاّ بالنسبة إلى الحكم بالقضاء فيما دلّ على ثبوته دليل مع الفوات كالصلاة.
والتحقيق : أنّ صدق الفوات في حقّ الجاهل الغافل ممنوع ، إذ لا تكليف له بغير معتقده حتّى يصدق في حقّه الفوات ، وثبوت القضاء في حقّ النائم والناسي إنّما ثبت بالنصّ وعموم الأخبار الدالّة على أصل البراءة وأصل العدم فيما لا يعلمه المكلّف.
والجواب عن الأوّل : منع الإجزاء في الأمر الظاهري العقلي كما حقّقناه في محلّه وأشرنا إليه مرارا ، وسنده عدم معقوليّة تأثير الاعتقاد بخلاف الواقع في حدوث حكم على طبق المعتقد ليكون الحكم الواقعي في حقّ صاحبه ما يوافق المعتقد لا غير.
وعن الثاني : أنّ تبعيّة التكاليف لأفهام المكلّفين إن اريد بها تبعيّة الأحكام الواقعيّة للأفهام على وجه تختلف باختلافها فبطلانه من جهة بطلان التصويب واضح لا حاجة له إلى البيان ، وإن اريد بها تبعيّة الأحكام الفعليّة الظاهريّة لها فهو مسلّم إذا كانت الأفهام مستندة إلى الطرق الشرعيّة الّتي قرّرها الشارع ، لقضاء أدلّة مشروعيّة تلك الطرق بكون مؤدّياتها أحكاما فعليّة ، وفهم الجاهل ليس مستندا إليها كما هو المفروض ، ولا دليل من عقل ولا نقل على كون مقتضى فهمه أيضا حكما فعليّا.
وأمّا الاستشهاد بالمجتهد بتوهّم عدم اشتراط صحّة صلاته بموافقة الواقع كما تقدّم ، ففيه : منع الحكم في الشاهد في تقدير ووجود الفارق بينه وبين ما نحن فيه في آخر.
ومبنى التقديرين على منع عدم اشتراط صحّة صلاته بموافقة الواقع ، لأنّ دعوى عدم الاشتراط يدفعها : أنّه لو لا الاشتراط المذكور لما وجب عليه التدارك إعادة مع بقاء الوقت أو قضاء مع خروجه في صورة القطع بالمخالفة إذا عثر في النظر الثاني لدليل قطعي أفاده القطع ببطلان أعماله الماضية الواقعة على طبق الأمارة الاولى الّتي هي مأخذ الحكم في الاجتهاد الأوّل ، وهذا هو التقدير الأوّل.
ومبنى القول بالعدم في صورة الظنّ بالمخالفة ـ فيما لو قام أمارة ظنّية على بطلان مؤدّى الأمارة الاولى على معنى مخالفته الواقع على وجه عدل المجتهد إلى العمل بها مع