الاصولي المقلّد فيه أو لا؟ فيؤخذ بقول الغير هنا أيضا تعبّدا ، ظاهر عبارة العدّة المتقدّمة هو الأوّل ، وهو المصرّح به في كلام جماعة منهم بعض مشايخنا قائلا في الفرق بين التقليد في المقامين : « لا يعتبر في التقليد في الفروع حصول الظنّ فيعمل المقلّد مع كونه شاكّا ، وهذا غير معقول في اصول الدين الّتي يطلب فيها الاعتقاد » (١) بل في كلام بعض الفضلاء دعوى الإجماع على أنّ الإيمان لا يتحقّق بدون الإذعان. وقضيّة ذلك خروج الأخذ بقول الغير مع الشكّ في حقّيته وبطلانه عن المتنازع فيه ، على معنى إطباقهم على عدم كفاية التقليد بهذا المعنى.
ثمّ إنّ ظاهر كلام الفاضل المذكور بل صريحه تعميم الاعتقاد هنا بالقياس إلى الظنّ والجزم تعليلا : « بأنّ التقليد قد يفيد القطع ، وأنّه لم يعتبر خصوص القطع ليتمّ على القول بكفاية الظنّ ».
لكن ظاهر عبارة الشيخ في العدّة عند الاستدلال على منع التقليد ـ « بأنّه لا خلاف في أنّه يجب على العامي معرفة الصلاة وأعدادها ، وإذا كان لا يتمّ ذلك إلاّ بعد معرفة الله ومعرفة عدله ومعرفة النبوّة وجب أن لا يصحّ التقليد في ذلك » إلى آخره ـ (٢) أنّ الكلام إنّما هو في المقلّد الغير الجازم ، وهو أيضا ظاهر العضدي في استدلاله على منع التقليد فيما حكى بالإجماع على وجوب معرفة الله أنّها لا تحصل بالتقليد ، وعليه مبنيّ ما عن شيخنا البهائي في حاشية زبدته من أنّ هذا النزاع يرجع إلى النزاع في اشتراط القطع في الاصول ، فإن اعتبرناه تعيّن القول بعدم جواز التقليد وإلاّ فيجوز.
وإن أمكن المناقشة فيه بمنع الملازمة على القول بكفاية الظنّ وعدم اشتراط القطع بجواز كون المراد به الظنّ النظري وهو الحاصل بالنظر والاستدلال.
ومنهم من منع الملازمة على القول باشتراط القطع أيضا بدعوى : أنّ النسبة بين التقليد في اصول الدين والعمل بالظنّ فيها عموم من وجه ، لافتراق الأوّل في التقليد المفيد للقطع والتقليد الغير المفيد له وللظنّ ، وافتراق الثاني في الظنّ الحاصل بالنظر.
ويمكن دفع المنعين بأنّ الكلام في افتراق العنوانين واجتماعهما بحسب القائل لا باعتبار المفهوم ، والمراد أنّ من جوّز للعلماء والمجتهدين العمل في اصول الدين بالاجتهاد الظنّي والأخذ بمؤدّى الأمارات الظنّية فقد جوّز للعوامّ أيضا التقليد فيها ، ومن لم يجوّز ذلك ثمّة
__________________
(١) عدّة الاصول ٢ : ٧٣١.
(٢) عدّة الاصول ٢ : ٧٣٠.